الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ }

{ وآخرين مقرنين فى الاصفاد } عطف على كل بناء داخل فى حكم البدل يقال قرنت البعيرين اذا جمعت بينهما وقرنت على التكثير كما فى الآية. قال الراغب والتقرين بالفارسية برهم كردن. قال ابن الشيخ مقرنين صفة لآخرين وهو اسم مفعول من باب التفعيل منقول من قرنت الشىء بالشىء اى وصلته به وشدد العين للمبالغة والكثرة. والاصفاد جمع صفد محركة وهو القيد وسمى به العطاء لانه يرتبط بالمنعم عليه وفرقوا بين فعليهما فقالوا صفده قيده واصفده اعطاه على عكس وعد واعد فان الثلاثى فيه للخير والمنفعة والرباعى للشر والمضرة ولكن فى كون اصفد بمعنى اعطى نكتة وهى ان الهمزة للسلب. والمعنى ازلت ما به من الاحتياج بان اعطيته ما تندفع به حاجته بخلاف اوعد فانه لغة اصلية موضوعة للتهديد. ومعنى الآية وسخرنا له شياطين آخرين لا يبنون ولا يغوصون كأنه عليه السلام فصل الشياطين الى عملة استعملهم فى اعمال الشاقة من البناء والغوص ونحو ذلك والى مردة قرن بعضهم مع بعض فى السلاسل واوثقهم بالحديد لكفهم على الشر والفساد. فان قيل ان هذه الآية تدل على ان الشياطين لها قوة عظيمة قدروا بها على تلك الابنية العظيمة التى لا يقدر عليها البشر وقدروا على الغوص فى البحار واستخراج جواهرها وانى يمكن تقييدهم بالاغلال والاصفاد وفيه اشكال وهو ان هذه الشياطين اما ان تكون اجسادهم كثيفة او لطيفة فان كانت كثيفة وجب ان يراهم من كان صحيح الحاسة اذ لو جاز ان لا يراهم مع كثافة اجسادهم لجاز ان يكون بحضرتنا جبال عالية واصوات هائلة لا نراها ولا نسمعها وذا سفسطة وان كانت اجسادهم لطيفة واللطافة تنافى الصلابة فمثل هذا يمتنع ان يكون موصوفا بالقوة الشديدة بحيث يقدر بها على ما لا يقدر عليه البشر لان الجسم اللطيف يكون ضعيف القوام تتمزق اجزاؤه بادنى المدافعة فلا يطيق تحمل الاشياء الثقيلة ومزاولة الاعمال الشاقة وايضا لا يمكن تقييده بالاصفاد والاغلال. قلنا ان اجسادهم لطيفة ولكن شفافة ولطافتها لا تنافى صلابتها بمعنى الامتناع من التفرق فلكونها لطيفة لا ترى ولكونها صلبة يمكن تقيدها وتحملها الاشياء الثقيلة ومزاولتها الاعمال الشاقة ولو سلم ان اللطافة تنافى الصلابة الا انا لا نسلم ان اللطيف الذى لا صلابة له يمتنع ان يتحمل الاشياء الثقيلة ويقدر على الاعمال الشاقة ألا ترى ان الرياح العاصفة تفعل افعالا عجيبة لا تقدر عليها جماعة من الناس. وقال فى بحر العلوم والاقرب ان المراد تمثيل كفهم عن الشرور بالتقرين فى الصفد يعنى ان قولهم لا يمكن تقييده بالاصفاد والاغلال حقيقة مسلم ولكن ليس الكلام محمولا على حقيقته لانهم لما كانوا مسخرين مذللين لطاعته عليه السلام بتسخير الله اياهم له كان قادرا على كفهم عن الاضرار بالخلق فشبه كفهم عن ذلك بالتقرين فى الاصفاد فاطلق على الكف المذكور لفظ التقرين استعارة اصلية ثم اشتق من التقرين يعنى المعنى المجازى لفظ مقرنين فهو استعارة تبعية بمعنى ممنوعين عن الشرور.

السابقالتالي
2