الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ }

{ قال } سليمان وهو بدل من اناب وتفسير له { رب } اى بروردكار من { اغفر لى } ما صدر منى من الزلة التى لا تليق بشانى وتقديم الاستغفار على الاستيهاب الآتى لمزيد اهتمامه بامر الدين جريا على سنن الانبياء والصالحين وكون ذلك ادخل فى الاجابة { وهب لى } وببخش مرا { ملكا } بادشاهى وتصرفى كه { لا ينبغى } نسزد ونشايد { لاحد } من الخلق { من بعدى } الى يوم القيامة بان يكون الظهور به بالفعل فى عالم الشهادة فى الامور العامة والخاصة مختصا بى وهو الغاية التى يمكنه بلوغها دل على هذا المعنى قول نبينا عليه السلام " ان عفريتا من الجن " وهو الخبيث المنكر " تفلت علىّ البارحة " اى تعرض فى صورة هر كما فى حياة الحيوان. قال فى تاج المصادر التفلت بجستن وفى الحديث " ان عفريتا من الجن تفلت علىّ البارحة " اى تعرض له فلتة اى فجأة " ليقطع على صلاتى فامكننى الله منه " الامكان القدرة على الشىء مع ارتفاع الموانع اى اعطانى الله مكنة من اخذه وقدرة عليه " فاخذته فاردت ان اربطه " بكسر الباء وضمها اى اشده " على سارية من سوارى المسجد " اى اسطوانة من اساطينه " حتى تنظروا اليه كلكم ويلعب به ولدان اهل المدينة فذكرت دعوة اخى سليمان رب اغفر لى وهب لى ملكا لا ينبغى لاحد من بعدى فرددته خاسئا " اى ذليلا مطرودا لم يظفر بى ولم يغلب على صلاتى فدل على ان الملك الذى آتاه الله سليمان ولم يؤته احدا غيره من بعده هو الظهور بعموم التصرف فى عالم الشهادة لا التمكن منه فان ذلك مما آتاه الله غيره من الكمل نبيا كان او وليا ألا ترى ان نبينا عليه السلام قال " فامكننى الله منه " اى من العفريت فعلمنا ان الله تعالى قد وهب التصرف فيه بما شاء من الربط وغيره ثم ان الله تعالى ذكره فتذكر دعوة سليمان فتأدب معه كمال التأدب حيث لم يظهر بالتصرف فى الخصوص فكيف فى العموم فرد الله ذلك العفريت ببركة هذا التأدب خاسئا عن الظفر به. وكان فى وجود سليمان عليه السلام قابلية السلطنة العامة ولهذا الهمه الله تعالى ان يسأل الملك المخصوص به فلم يكن سؤاله للبخل والحسد والحرص على الاستبداد بالنعمة والرغبة فيها كما توهمه الجهلة. واما سلطان الانبياء صلى الله عليه وسلم فقد افنى جميع ما فى ملك وجوده من جهة الافعال والصفات فلم يبق شىء فظهر مكانه شىء لا يوصف حيث وقع تجلى الذات فى مرتبة لم ينلها احد من افراد الخلق سابقا ولا لاحقا وستظهر سلطنته الصورية ايضا بحيث يكون آدم ومن دونه تحت لوائه

السابقالتالي
2 3