الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ }

{ يا داود } اى فغفرنا له ذلك وقلنا له يا داود { انا جعلناك خليفة فى الارض } الخلافة النيابة عن الغير اما لغيبة المنوب عنه واما لموته واما لعجزه واما لتشريف المستخلف وعلى هذا الوجه الاخير استخلف الله اولياءه فى الارض اذ الوجوه الاول محال فى حق الله تعالى فالخليفة عبارة عن الملك النافذ الحكم وهو من كان طريقته وحكومته على طريقة النبى وحكومته والسلطان اعم والخلافة فى خصوص مرتبة الامامة ايضا اعم. والمعنى استخلفناك على الملك فى الارض والحكم فيما بين اهلها اى جعلناك اهل تصرف نافذ الحكم فى الارض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها وكان النبوة قبل داود فى سبطه والملك فى سبط آخر فاعطاهما تعالى داود عليه السلام فكان يدبر امر العباد بامره تعالى. وفيه دليل بين على ان حاله عليه السلام بعد التوبة كما كان قبلها لم يتغير قط بل زادت اصطفائيته كما قال فى حق آدم عليه السلامثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى } قال بعض كبراء المكاشفين ثم المكانة الكبرى والمكانة الزلفى التى خصه الله بها التنصيص على خلافته ولم يفعل ذلك مع احد من ابناء جنسه وهم الانبياء وان كان فيهم خلفاء. فان قلت آدم عليه السلام قد نص الله على خلافته فليس داود مخصوصا بالتنصيص على خلافته قلنا ما نص على خلافة آدم مثل التنصيص على خلافة داود وانما قال للملائكة انى جاعل فى الارض خليفة فيحتمل ان يكون الخليفة الذى اراده الله غير آدم بان يكون بعض اولاده ولو قال ايضا انى جاعل آدم لم يكن مثل قوله انا جعلناك خليفة بضمير الخطاب فى حق داود فان هذا محقق ليس فيه احتمال غير المقصود. قال بعضهم تجبرت الملائكة على آدم فجعله الله خليفة وتجبر طالوت على داود فجعله خليفة وتجبرت الانصار على ابى بكر رضى الله عنه فجعله خليفة فلذا جعل الله الخلفاء ثلاثة آدم وداود وابا بكر. وكان مدة ملك داود اربعين سنة مما وهبه الخليفة الاول من عمره فان آدم وهب لداود من عمره ستين سنة فلذا كان خليفة فى الارض كما كان آدم خليفة فيها. وفى الآية اشارة الى معان مختلفة. منها ان الخلافة الحقيقية ليست بمكتسبة للانسان وانما هى عطاء وفضل من الله يؤتيه من يشاء كما قال تعالى { انا جعلناك خليفة } اى اعطيناك الخلافة. ومنها ان استعداد الخلافة مخصوص بالانسان كما قال تعالىوجعلكم خلائف الارض } ومنها ان الانسان وان خلق مستعدا للخلافة ولكن بالقوة فلا يبلغ درجاتها بالفعل الا الشواذ منهم. ومنها ان الجعلية تتعلق بعالم المعنى كما ان الخلقية تتعلق بعالم الصورة ولهذا لما اخبر الله تعالى عن صورة آدم عليه السلام قال

السابقالتالي
2 3 4