الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ }

{ وما ينظر هؤلاء } الاشارة الى كفار مكة بهؤلاء تحقير لشأنهم وتهوين لامرهم وما ينتظر هؤلاء الكفرة الذين هم امثال اولئك الطوائف المذكورة المهلكة فى الكفر والتكذيب { الا صيحة واحدة } هى النفخة الثانية اى ليس بينهم وبين حلول ما اعد لهم من العقاب الفظيع الا هى حيث اخرت عقوبتهم الى الآخرة لما ان تعذيبهم بالاستئصال حسبما يستحقونه والنبى عليه السلام بين اظهرهم خارج عن السنة الالهية المبنية على الحكم الباهرة كما نطق به قوله تعالىوما كان الله ليعذبهم وانت فيهم } ثم ان الانتظار يحتمل ان يكون حقيقة او استهزاء فهم وان كانوا ليسوا بمنتظرين لان تأتيهم الصيحة الا انهم جعلوا منتظرين لها تنبيها على قربها منهم فان الرجل انما ينتظر الشىء ويمد طرفه اليه مترقبا فى كل آن حضوره اذا كان الشىء فى غاية القرب منه { ما لها من فواق } اى ما للصيحة من توقف مقدار فواق ففيه تقدير مضاف هو صفة لموصوف مقدر. والفواق بالضم كغراب ويفتح كما فى القاموس ما بين حلبتى الحالب من الوقت لان الناقة تحلب ثم تترك سويعة يرضعها الفصيل لادرار اللبن ثم تحلب ثانية يعنى اذا جاء وقت الصيحة لم تستأخر هذا القدر من الزمان كقوله تعالىفاذا جاء اجلهم لا يستأخرون ساعة } وهو عبارة عن الزمان اليسير وفى الحديث " من اعتكف قدر فواق فكأنما اعتق رقبة من ولد اسماعيل " وفى الحديث " من قاتل فى سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة " وفى الآيتين اشارة الى تسلية قلب النبى عليه السلام وتصفيته عن الاهتمام بكفار مكة لئلا يضيق قلبه من تكذيبهم ولا يحزن عليهم لكفرهم فان هؤلاء الاحزاب كذبوا الرسل كما كذبه قومه وكانوا اقوياء متكثرين عددا وقومه جندا قليلا من تلك المتحزبين ثم انهم كانوا مظهر القهر وحطب نار الغضب ما اغنى عنهم جمعهم وقوتهم ابدانا وكثرتهم اسبابا فكذا حال قريش فانتظارهم ايضا اثر من آثار القهر الالهى ونار من نيران الغضب القهارى