الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ }

{ وما علمناه الشعر } رد وابطال لما كانوا يقولون فى حقه عليه السلام من انه شاعر وما يقوله شعر والظاهر فى الرد ان يقال انه ليس بشاعر وان ما يتلوه عليكم ليس بشعر الا ان عدم كونه شاعرا لما كان ملزوما لعدم كون معلمه علمه الشعر نفى اللازم واريد نفى الملزوم بطريق الكناية التى هى ابلغ من التصريح. قال الراغب يقال شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر وسمى الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته. فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر المختص بصناعته. وفى القاموس الشعر غلب على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية وان كان كل علم شعرا والجمع اشعار يقال شعر به كنصر وكرم علم به وفطن له وعقله. والشعر عند الحكماء القدماء ليس على وزن وقافية ولا الوزن والقافية ركن فى الشعر عندهم بل الركن فى الشعر ايراد المقدمات المخيلة فحسب ثم قد يكون الوزن والقافية معينين فى التخيل فان كانت المقدمة التى تورد فى القياس الشعرى مخيلة فقط تمحض القياس شعريا وان انضم اليها قول اقناعى تركبت المقدمة من معنيين شعرى واقناعى وان كان الضميم اليه قولا يقينيا تركبت المقدمة من شعرىّ وبرهانىّ. قال بعضهم الشعر اما منطقى وهو المؤلف من المقدمات الكاذبة واما اصطلاحى وهو كلام مقفى موزون على سبيل القصد والقيد الا خير يخرج ما كان وزنه اتفاقيا كآيات شريفة اتفق جريان الوزن فيها اى من بحور الشعر الستة عشر نحو قوله تعالىلن تنالوا البر حتى تنفقوا } وقولهوجفان كالجواب وقدور راسيات } وقولهنصر من الله وفتح قريب } ونحو ذلك وكلمات شريفة نبوية جاء الوزن فيها اتفاقيا من غير قصد اليه وعزم عليه نحو قوله عليه السلام حين عثر فى بعض الغزوات فاصاب اصبعه حجر فدميت
هل انت الا اصبع دميت وفى سبيل الله ما لقيت   
وقوله يوم حنين حين نزل ودعا واستنصر او يوم فتح مكة
انا النبى لا كذب انا ابن عبد المطلب   
وقوله يوم الخندق
باسم الاله وبه بدانا ولو عبدنا غيره شقينا   
وغير ذلك سواء وقع فى خلال المنثورات والخطب ام لا. والمراد بالشعر الواقع فى القرآن الشعر المنطقى سواء كان مجردا عن الوزن ام لا والشعر المنطقى اكثر ما يروج بالاصطلاحى. قال الراغب قال بعض الكفار للنبى عليه السلام انه شاعر فقيل لما وقع فى القرآن من الكلمات الموزونة والقوافى. وقال بعض المحصلين ارادوا به انه كاذب لان ظاهر القرآن ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتم من العجم فضلا عن بلغاء العرب فانما رموه بالكذب لان اكثر ما يأتى به الشاعر كذب ومن ثمة سموا الادلة الكاذبة شعرا.

السابقالتالي
2 3 4