الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ }

{ ولقد اضل منكم جبلا كثيرا } جواب قسم محذوف والخطاب لبنى آدم. وفى الارشاد الجملة استئناف مسوق لتشديد التوبيخ وتأكيد التقريع ببيان ان جناياتهم ليست بنقض العهد فقط بل به وبعدم الاتعاظ بما شاهدوا من العقوبات النازلة على الامم الخالية بسبب طاعتهم للشيطان والخطاب لمتأخريهم الذين من جملتهم كفار مكة خصوا بزيادة التوبيخ والتقريع لتضاعف جناياتهم والجبل بكسر الجيم وتشديد اللام الخلق اى المخلوق ولما تصور من الجبل العظم قيل للجماعة العظيمة جبل تشبيها بالجبل فى العظم واسناد الاضلال الى الشيطان مجاز والمراد سببيته كما فى قوله تعالىرب انهن اضللن كثيرا من الناس } والا فالهداية والاضلال والارشاد والاغواء صفة الله تعالى فى الحقيقة بدليل قوله عليه السلام " بعثت داعيا ومبلغا وليس الىّ من الهدى شئ وخلق ابليس مزينا وليس اليه من الضلالة شئ " والمعنى وبالله لقد اضل الشيطان منكم خلقا كثيرا يعنى صار سببا لضلالهم عن ذلك الصراط المستقيم الذى امرتكم بالثبات عليه فاصابهم لاجل ذلك ما اصابهم ومن العقوبات الهائلة التى ملأ الآفاق اخبارها وبقى مدى الدهر آثارها. وقال بعضهم وكيف تعبدون الشيطان وتنقادون لامره مع انه قد اضل منكم يا بنى ادم جماعة متعددة من بنى نوعكم فانحرفوا باضلاله عن سواء السبيل فحرموا من الجنة الموعودة لهم { أفلم تكونوا تعقلون } الفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام اى أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون انها لضلالهم وطاعتهم ابليس او فلم تكونوا تعقلون شيئا اصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب. وقال الكاشفى ايا نيستيد شما كه تعقل كنيد وخودرا دردام فريب او بيفكنيد. وفى كشف الاسرار هو استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل وفى الحديث " قسم الله العقل ثلاثة اجزاء فمن كانت فيه فهو العاقل حسن المعرفة بالله " اى الثقة بالله فى كل امر والتفويض اليه والائتمار له على نفسك واحوالك والوقوف عند مشيئته لك فى كل امر دنيا وآخرة وحسن الطاعة لله وهو ان تطيعه فى كل اموره وحسن الصبر لله وهو ان تصبر فى النوائب صبرا لا يرى عليك فى الظاهر اثر النائبة كذا فى درر الاصول. وفى التأويلات النجميةولقد اضل منكم جبلا كثيرا } عن صراط مستقيم عبوديتى وابعدكم عن جوارى وقربتى { افلم تكونوا تعقلون } لتعلموا ان الرجوع الى الحق اولى من التمادى فى الباطل فلا تظلموا على انفسكم وارجعوا الى ربكم واعلم ان العقل نور يستضاء به كما قال فى المثنوى
كربصورت وانمايد عقل رو تيره باشد روز بيش نوراو ورمثال احمقى بيدا شود ظلمت شب بيش اوروشن بود اندك اندك خوى كن بانور روز ورنه خفاشئ بمانى بى فروز عقل كل راكفت ما زاغ البصر عقل جزئى ميكندهر سونظر   
ثم اعلم ان الجاهل الاحمق والضال المطلق فى يد الشيطان يقوده حيث يشاء ولو علم حقيقة الحال وعقل ان الله الملك المتعال واهتدى الى طريق التوحيد والطاعة لحفظه الله من تلك الساعة فان التوحيد حصنه الحصين ومن دخل فيه امن من مكر العدو المهين ومن خرج عنه طالبا للنجاة ادركه الهلاك ومات فى يد الآفات ومن اهمل نفسه فلم يتحرك لشئ كان كمجنون لا يعرف شمسا من فئ فنسأل الله الاشتغال بطاعته واستيعاب الاوقات بعبادته وطرد الشيطان بانوار الخدمة وقهر النفس بانواع الهمة