الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ ٱلْحَقَّ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْكَبِيرُ }

{ ولا تنفع الشفاعة } وهى طلب العفو او الفضل للغير من الغير يعنى ان الشافع شفيع للمشفوع له فى طلب نجاته او زيادة ثوابه ولذا لا تطلق الشفاعة على دعاء الرجل لنفسه واما دعاء الامة للنبى عليه السلام وسؤالهم له مقام الوسيلة فلا يطلق عليه الشفاعة اما لاشتراط العلو فى الشفيع واما لاشتراط العجز فى المشفوع له وكلاهما منتف ههنا { عنده } تعالى كما يزعمون اى لا توجد رأسا لقوله تعالىمن ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه } وانما علق النفى بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفى ما هو غرضهم من وقوعها { الا لمن اذن له } استثناء مفرغ من اعم الاحوال اى لا تنفع الشفاعة فى حال من الاحوال الا كائنة لمن اذن له اى لاجله وفى شأنه من المستحقين للشفاعة واما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم اصلا وان فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء اذ لم يأذن لهم فى شفاعتهم بل فى شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الاصنام بدلالته اذ حين حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين اليها فلان يحرموها من جهة العجزة عنها اولى { حتى اذا فزع عن قلوبهم } التفزيع من الاضداد فانه التخويف وازالة الخوف والفزع وبالفارسية بترسانيدن واندوه وابردن وهذا يعدى بعن كما فى هذا المقام والفزع انقباض ونفار يعترى الانسان من الشئ المخيف وهو من جنس الجزع ولذا لا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه والمعنى حتى اذا ازيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين واما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بالف منزل وحتى غاية لما ينبئ عنه ما قبلها من الاشعار بوقوع الا لمن اذن له فانه يشعر بالاستئذان المستدعى الترقب والانتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل يتربصون فى موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع زمانا طويلا حتى اذا ازيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتيا والتى وظهرت لهم تباشير الاجابة { قالوا } اى المشفوع لهم اذ هم المحتاجون الى الاذن والمهتمون بامره { ماذا } جه جيز { قال ربكم } اى فى شأن الاذن { قالوا } اى الشفعاء لانهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون بينهم وبينه تعالى بالشفاعة { الحق } اى قال ربنا القول الحق وهو الاذن فى الشفاعة للمستحقين لها { وهو العلى الكبير } من تمام كلام الشفعاء قالوه اعترفا بغاية عظمة جناب العزة وقصور شأن كل من سواه اى هو المتفرد بالعلو والكبرياء شأنا وسلطانا ذاتا وصفة قولا وفعلا ليس لاحد من اشراف الخلائق ان يتكلم الا باذنه. قال بعضهم العلى فوق خلقه بالقهر والاقتدار والعلى الرفيع القدر واذا وصف به تعالى فمعناه انه يعلو ان يحيط به وصف الواصفين بل وعلم العارفين والعبد لا يتصور ان يكون عليا مطلقا اذ لا ينال درجة الا ويكون فى الوجود ما هو فوقها وهى درجات الانبياء والملائكة نعم يتصور ان ينال درجة لا يكون فى جنس الانس من يفوقها وهى درجة نبينا عليه السلام ولكنه علو اضافى لا مطلق والتحلق بهذا الاسم بالجنوح الى معالى الامور والبعد عن سفسافها وفى الحديث

السابقالتالي
2