الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

{ ليعذب الله المنافقين والمنافقات } الذين ضيعوا الامانة بعد ما قبلوها { والمشركين والمشركات } الذين خانوا فى الامانة بعدم قبولها رأسا. قال فى الارشاد اشارة الى الفريق الاول اى حملها الانسان ليعذب الله بعض افراده الذين لم يراعوها ولم يقابلوها بالطاعة على ان اللام للعاقبة فان التعذيب وان لم يكن غرضا له من الحمل لكن لما ترتب عليه بالنسبة الى بعض افراده ترتب الاغراض على الافعال المعللة بها ابرز فى معرض الغرض اى كان عاقبة حمل الانسان لها ان يعذب الله هؤلاء من افراده لخيانتهم الامانة وخروجهم عن الطاعة بالكلية. قال فى بحر العلوم ويجوز ان تكون اللام علة لعرضنا اى عرضنا ليظهر نفاق المنافقين واشراك المشركين فيعذبهما الله { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } الذين حفظوا الامانة وراعوا حقها. قال فى الارشاد اشارة الى الفريق الثانى اى كان عاقبة حملة لها ان يتوب الله على هؤلاء من افراده اى يقبل توبتهم لعدم خلعهم ربقة الطاعة عن رقابهم بالمرة وتلافيهم لما فرط منهم من فرطات قلما يخلو عنها الانسان بحكم جبليته وتداركهم لها بالتوبة والانابة والالتفات الى الاسم الجليل اولا لتهويل الخطب وتربية المهابة والاظهار فى موضع الاضمار ثانيا لا براز مزيد الاعتناء بامر المؤمنين توفية لكل من مقامى الوعيد والوعد حقه { وكان الله غفورا رحيما } مبالغا فى المغفرة والرحمة حيث تاب عليهم وغفر لهم فرطاتهم واثاب بالفوز على طاعاتهم. وفى التأويلات النجمية هذه اللام لام الصيرورة والعاقبة يشير الى ان الحكمة فى عرض الامانة ان يكون الخليقة فى امرها على ثلاث طبقات. طبقة منها تكون الملائكة وغيرهم ممن لم يحملها فلا يكون لهم فى ذلك ثواب ولا عقاب. وطبقة منها من يحملها ولم يؤد حقها وقد خان فيها وهم المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات الذين حملوها بالظلومية على انفسهم وضيعوها بجهولية قدرها فما رعوها حق رعايتها فحاصل امرهم العذاب المؤبد. وطبقة منها من يحملها ويؤدى حقها ولم يخن فيها ولكن لثقل الحمل وضعف الانسانية يتلعثم فى بعض الاوقات فيرجع الى الحضرة بالتضرع والابتهال معترفا بالذنوب وهم المؤمنون والمؤمنات فيتوب الله عليهم لقوله { ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات } والحكمة فى ذلك ليكون كل طبقة من الطبقات الثلاث مرآة يظهر فيها جمال صفة من صفاته. فالطبقة الاولى اذا لم يحملوا الامانة وتركوا نفعها لضرها فهم مرآة جمال صفة عدله. والطبقة الثانية اذ حملوها طمعا فى نفعها ولم يؤدوا حقها وقد خانوا فيها بان باعوها بعوض من الدنيا الفانية فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين فهم مرآة يظهر فيها جمال صفة قهره. والطبقة الثالثة اذ حملوها بالطوع والرغبة والشوق والمحبة وادوا حقها بقدر وسعهم ولكن كما قيل لكل جواد كبوة وقع فى بعض الاوقات قدم صدقهم عند ربهم فى حجر بلاء وابتلاء بغير اختيارهم ثم اجتباهم ربهم فتاب عليهم وهداهم بجذبات العناية الى الحضرة فهم مرآة يظهر فيها جمال فضله ولطفه وذلك قوله تعالى { وكان الله غفورا رحيما } للمؤمنين بفضله وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء انتهى.

السابقالتالي
2