الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً }

{ انا } هذه النون نون العظمة والكبرياء عند العلماء فان الملوك والعظماء يعبرون عن انفسهم بصيغة الجمع ونون الاسماء والصفات عند العرفاء فانها متعددة ومتكثرة { عرضنا الامانة على السموات والارض والجبال } يقال عرض لى امر كذا اى ظهر وعرضت له الشئ اى اظهرته له وابرزته اليه وعرضت الشئ على البيع وعرض الجند اذا امرّهم عليه ونظر ما حالهم والامانة ضد الخيانة. والمراد هنا ما ائتمن عليها وهى على ثلاث مراتب. المرتبة الاولى انها التكاليف الشرعية والامور الدينية المرعية ولذا سميت امانة لانها لازمة الوجود كما ان الامانة لازمة الاداء. وفى الارشاد عبر عن التكاليف الشرعية بالامانة لانها حقوق مرعية اودعها الله المكلفين وائتمنهم عليها واوجب عليهم تلقيها بحسن الطاعة والانقياد وامرهم بمراعاتها والمحافظة عليها وادائها من غير اخلال بشئ من حقوقها انتهى وتلك الامانة هى العقل اولا فان به يحصل تعلم كل ما فى طوق البشر تعلمه وفعل ما فى طوقهم فعله من الجميل وبه فضل الانسان على كثير من الخلائق ثم التوحيد والايمان باليوم الآخر والصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وصدق الحديث وحفظ اللسان من الفضول وحفظ الودائع واشدها كتم الاسرار وقضاء الدين والعدالة في المكيال والميزان والغسل من الجنابة والنية فى الاعمال والطهارة فى الصلاة و تحسين الصلاة فى الخلوة والصبر على البلاء والشكر لدى النعماء والوفاء بالعهود والقيام بالحدود وحفظ الفرج الذى هو اول ما خلق الله من الانسان وقال له هذه امانة استودعتكها والاذن والعين واليد والرجل وحروف التهجى كما نقله الراغب فى المفردات وترك الخيانة فى قليل وكثير لمؤمن ومعاهد وغير ذلك مما أمر به الشرع واوجبه وهى بعينها المواثيق والعهود التى اخذت من الارواح فى عالمها ووضعت امانة فى الجوهر الجمادى صورة المسمى بالحجر الاسود لسيادته بين الجواهر وألقمه الحق تلك المواثيق وهو امين الله لتلك الامانة. والمرتبة الثانية انها المحبة والعشق والانجذاب الالهى التى هى ثمرة الامانة الاولى ونتيجتها وبها فضل الانسان على الملائكة اذا الملائكة وان حصل لهم المحبة فى الجملة لكن محبتهم ليست بمبنية على المحن والبلايا والتكاليف الشاقة التى تعطى الترقى اذا الترقى ليس إلا للانسان فليس المحنة والبلوى الاله ألا ترى الى قول الحافظ
شب تاريك وبيم موج وكردابى جنين هائل كجا دانند حال ماسبكباران ساحلها   
اراد بقوله " شب تاريك " جلال الذات وبقوله " بيم موج " خوف صفات القهر وبقوله " كرداب " درّ دربحر العشق وهى الامتحانات الهائلة والبرازخ المخوفة وبقوله " سبكباران ساحل " الزهاد والملائكة الذين بقوا فى ساحل بحر العشق وهو بر الزهد والطاعة المجردة وهم اهل الامانة الاولى ومن هذا القبيل ايضا قوله>

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8