الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً }

{ لقد كان لكم } ايها المؤمنون كما فى تفسير الجلالين وهو الظاهر من قوله فيما بعد لمن كان يرجو الله الخ. { فى رسول الله اسوة حسنة }. قال الراغب الاسوة والاسوة كالقدوة والقدوة الحالة التى يكون الانسان عليها فى اتباع غيره ان حسنا وان قبيحا ان سارّا وان ضارا ويقال تأسيت به اى اقتديت. والمعنى لقد كان لكم فى محمد صلى الله عليه وسلم خصلة حسنة وسنة صالحة حقها ان يؤتسى بها اى يقتدى كالثبات فى الحرب ومقاساة الشدائد فانه قد شج فوق حاجبه وكسرت رباعيته وقتل عمه حمزة يوم احد واوذى بضروب الاذى فوقف ولم ينهزم وصبر فلم يجزع فاستسنوا بسنته وانصروه ولا تتخلفوا عنه. وقال بعضهم كلمة فى تجريديه جرد من نفسه الزكية شئ وسمى قدوه وهى هو يعنى ان رسول الله فى نفسه اسوة وقدوة يحسن التأسى والاقتداء به كقولك فى البيضة عشرون منا حديدا اى هى نفسها هذا القدر من الحديد { لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر } اى يأمل ثواب الله ونعيم الآخرة او يخاف الله واليوم الآخر. فالرجاء يحتمل الامل والخوف ولمن كان صلة الحسنة او صفة لها لا بدل من لكم فان الاكثر على ان ضمير المخاطب لا يبدل منه { وذكر الله كثيرا } اى ذكرا كثيرا فى جميع اوقاته واحواله اى وقرن بالرجاء كثرة الذكر المؤدية الى ملازمة الطاعة وبها يتحقق الأتساء برسول الله. قال الحكيم الترمذى الاسوة فى الرسول الاقتداء به والاتباع لسنته وترك مخالفته فى قول وفعل. قال الشيخ سعدى
درين بحر جزمرد ساعى نرفت كم آن شد كه دنبال راعى نرفت كسانى كزين راه بركشته اند بر فتند بسيار وسر كشته اند خلاف بيمبر كسى ره كزيد كه هركز بمنزل نخواهد رسيد محالست سعدى كه راه صفا توان رفت جزبربى مصطفى   
فمتابعة الرسول تجب على كل مؤمن حتى يتحقق رجاؤه ويثمر عمله لكونه الواسطة والوسيلة وذكر الرجاء اللازم للايمان بالغيب فى مقام النفس وقرن به الذكر الكثير الذى هو عمل ذلك المقام ليعلم ان من كان فى البداية يلزم متابعته فى الاعمال والاخلاق والمجاهدات بالنفس والمال اذ لو لم يستحكم البداية لم يفلح بالنهاية ثم اذا تجرد وتزكى عن صفات نفسه فليتابعه فى موارد قلبه كالصدق والاخلاص والتسليم ليحتظى ببركة المتابعة بالمواهب والاحوال وتجليات الصفات فى مقام القلب كما احتظى بالمكاسب والمقامات وتجليات الافعال فى مقام النفس وهكذا فى مقام الروح حتى الفناء. وفى التأويلات النجمية يشير الى ما سبقت به العناية لهذه الامة فى متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما اخبر بلفظ { لقد كان } اى كان { لكم } مقدرا فى الازل ان يكون لكم عند الخروج من العدم الى الوجود { فى رسول الله اسوة حسنة } اى اقتداء حسن وذلك فان اول كل شئ تعلقت به القدرة للايجاد كان روح رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله

السابقالتالي
2