الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ }

{ الله } مبتدأ خبره قوله { الذى خلقكم } اوجدكم ايها الانسان { من ضعف } اى من اصل ضعيف هو النطفة او التراب على تأويل المصدر باسم الفاعل. والضعف بالفتح والضم خلاف القوة وفرقوا بان الفتح لغة تميم واختاره عاصم وحمزة فى المواضع الثلاثة والضم لغة قريش واختاره الباقون ولذا لما قرأه ابن عمر رضى الله عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح اقرأه بالضم { ثم } للتراخى فى الزمان { جعل } خلق لانه عدى لمفعول واحد { من بعد ضعف } آخر وهو الضعف الموجود فى الجنين والطفل { قوة } هى القوة التى تجعل للطفل من التحرك واستدعائه اللبن ودفع الاذى عن نفسه بالبكاء. قال بعض العلماء اول ما يوجد فى الباطن حول ثم ما يجر به فى الاعضاء قوة ثم ظهر العمل بصورة البطش والتناول قدرة { ثم جعل من بعد قوة } اخرى هى التى بعد البلوغ وهى قوة الشباب { ضعفا } آخر هو ضعف الشيخوخة والكبر { وشيبة } شيبة الهرم والشيب والمشيب بياض الشعر ويدل على ان كل واحد من قوله ضعف وقوة اشارة الى حالة غير الحالة الاولى ذكره منكرا والمنكر متى اعيد ذكره معرفا اريد به ما تقدم كقولك رأيت رجلا فقال لى الرجل كذا ومتى اعيد منكرا اريد به غير الاول ولذلك قال ابن عباس رضى الله عنهما فى قولهفان مع العسر يسرا } لن يغلب عسر يسرين هكذا حققه الامام الراغب وتبعه اجلاء المفسرين. وفى التأويلات النجمية { خلقكم من ضعف } فى البداية وهو ضعف العقل { ثم جعل من بعد ضعف قوة } فى العقل بالبراهين والحجج { ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة } فى الايمان لمن كان العقل عقيله فيعقله بعلاقة المعقولات فينظر فيها بداعية الهوى بنظر مشوب بآفة الوهم والخيال فيقع فى ظلمات الشبهات فتزل قدمه عن الصراط والدين القويم فيهلك كما هلك كثير ممن شرع فى تعلم المعقولات لا طفاء نور الشريعة وسعى فى ابطال الشريعة الطبيعة يريدونليطفئوا نور الله بافواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون } وايضا { خلقكم من ضعف } التردد والتحير فى الطلب { ثم جعل من بعد ضعف قوة } فى الطلب { ضعفا } فى حمل القول الثقيل وهو حقيقة قول لا اله الا الله فانها توجب الفناء الحقيقى وتوجب الضعف الحقيقى فى الصورة بحمل المعاتبات والمعاشقات التى تجرى بين المحبين فانها تورث الضعف والشيبة كما قال صلى الله عليه وسلم شيبتنى سورة هود واخواتها فان فيها اشارة من المعاشقات بقولهفاستقم كما امرت } { يخلق } الله تعالى { ما يشاء } من الاشياء التى من جملتها ما ركب من الضعف والقوة والشباب والشيبة. يعنى هذا ليس طبعا بل بمشيئة الله تعالى.

السابقالتالي
2 3