الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ ٱلسُّوۤأَىٰ أَن كَذَّبُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ }

{ ثم كان عاقبة الذين اساؤا } اى عملوا السيآت وبالفارسية بدكر دند يعنى كافر شدند { السواى } اى العقوبة التى هى اسوء العقوبات وافظعها وهى العقوبة بالنار فانها تأنيث الاسوأ كالحسنى تأنيث الاحسن او مصدر كالبشرى وصف به العقوبة مبالغة كأنها نفس السواى. وقيل السواى اسم لجهنم كما ان الحسنى اسم للجنة وانما سميت سواى لانها تسوء صاحبها. قال الراغب السوء كل ما يعم الانسان من الامور الدنيوية والاخروية ومن الاحوال النفسية والبدنية والخارجة من فوات مال وفقد حميم وعبر بالسوءى عن كل ما يقبح ولذلك قوبل بالحسنى قال { ثم كان عاقبة الذين اساؤا السواى } كما قال { للذين احسنوا الحسنى } انتهى. والسوءى مرفوعة على انها اسم كان وخبرها عاقبة وقرئ على العكس وهو ادخل فى الجزالة كما في الارشاد { ان كذبوا بآيات الله } علة لما اشير الية من تعذيبهم الدنيوى والاخروى اى لان كذبوا بآيات الله المنزلة على رسله ومعجزاته الظاهرة على ايديهم { وكانوا بها يستهزءُون } عطف على كذبوا دخل معه فى حكم العلة وايراد الاستهزاء بصيغة المضارع للدلالة على استمراره وتجدده. وحاصل الآيات ان الامم السالفة المكذبة عذبوا فى الدنيا والآخرة بسبب تكذيبهم واستهزائهم وسائر معاصيهم فلم ينفعهم قوتهم ولم يمنعهم اموالهم من العذاب والهلاك فما الظن باهل مكة وهم دونهم فى العدد والعدد وقوة الجسد. واعلم ان طبع القلوب والموت على الكفر مجازاة على الاساءة كما قال ابن عيينة ان لهذه الذنوب عواقب سوء لا يزال الرجل يذنب فينكت على قلبه حتى يسوّد القلب كله فيصير كافرا والعياذ بالله وفيه اشارة الى طلبة العلم الذين يشرعون فى علوم غير نافعة بل مضرة مثل الكلام والمنطق والمعقولات فيشوش عليهم عقيدتهم على مذهب اهل السنة والجماعة وان وقعوا فى ادنى شك وقعوا فى الكفر.
علم بى دينان رهاكن جهل راحكمت مخوان ازخيالات وظنون اهل يونان دم مزن   
فمن كان له نور الايمان الحقيقى بالسير والسلوك ينظر كيف كان عاقبة الذين من قبلهم من حكماء الفلاسفة انهم كانوا اشد منهم قوة فى علم القال واثاروا الارض البشرية بالرياضة والمجاهدة وعمروها بتبديل الاخلاق والاستدلال بالدلائل العقلية والبراهين المنطقية اكثر مما عمروها المتأخرون لأنهم كانوا اطول اعمارا منهم فوسوس لهم الشيطان وغرهم بعلومهم العقلية واستبدت نفوسهم بها وظنوا انهم غير محتاجين الى الشرائع ومتابعة الانبياء انفسهم من الشبهات بحسبان انها من البراهين القاطعة فاهلكهم الله فى اودية الشكوك والحسبان فما كان الله ليظلمهم بالابتلاء بهذه الآفات بان يكلهم الى وساوس الشيطان وهو اجس نفوسهم ولا يرسل اليهم الرسل ولم ينزل معهم الكتب ولكن كانوا انفسهم يظلمون بتكذيب الانبياء ومتابعة الشيطان وعبادة الهوى ثم كان عاقبة امر الفلاسفة لما اساؤوا بتذكيب الانبياء السوءى بان صاروا ائمة الكفر وصنفوا الكتب فى الكفر واوردوا فيها الشبهات على بطلان ما جاء به الانبياء من الشرائع والتوحيد وسموها الحكمة وسموا انفسهم الحكماء فالآن بعض المتعلمين من الفقهاء اما لوفور حرصهم على العلم والحكمة واما خباثة الجوهر ليتخلصوا من تكاليف الشرع يطالعون تلك الكتب ويتعلمونها وبتلك الشبهات التى دونوا بها كتبهم يهلكون فى اودية الشكوك ويقعون فى الكفر وهذه الآفة وقعت فى الاسلام من المتقدمين والمتأخرين منهم وكم من مؤمن عالم قد فسدت عقدتهم بهذه الآفة واخرجوا ربقة الاسلام من عنقهم فصاروا من جملتهم ودخلوا فى زمرتهم ولعل هذه الآفة تبقى فى هذه الامة الى قيام الساعة فان فى كل يوم يزداد تقل طلبة علوم الدين من التفسير والحديث والمذهب وتكثر طلبة علوم الفلسفة والزندقة ويسمونها الاصول والكلام.

السابقالتالي
2