الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَتْ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }

{ قالت } مريم متضرعة الى ربها { رب أنى يكون } اى كيف يكون اومن أين يكون { لى ولد } على وجه الاستبعاد العادى والتعجب من استعظام قدرة الله فان البشرية تقتضى التعجب مما وقع على خلاف العادة اذ لم تجر عادة بان يولد ولد بلا اب { ولم يمسسنى بشر } آدمى وسمى بشرا لظهوره وهو كناية عن الجماع اى والحال انى على حالة منافية لولد { قال } اى الله عز وجل او جبريل عليه السلام { كذلك } اشارة الى مصدر يخلق فى قوله عز وجل { الله يخلق ما يشاء } ان يخلقه اى الله يخلق ما يشاء ان يخلقه خلقا مثل ذلك الخلق العجيب والاحداث البديع الذى هو خلق الولد من غير اب فالكاف فى محل النصب على انها فى الاصل نعت لمصدر محذوف { اذا قضى امرا } اى اراد شيأ واصل القضاء الاحكام اطلق على الارادة الالهية القطعية المتعلقة بوجود الشىء لايجابه اياه البتة { فانما يقول له كن فيكون } من غير ريث وهو تمثيل لكمال قدرته تعالى وسهولة تأتى المقدورات حسبما تقتضيه مشيئته وتصوير لسرعة حدوثها بما علم فيها من اطاعة المأمور المطيع للآمر القوى المطاع وبيان لانه تعالى كما يقدر على خلق الاشياء مدرجا باسباب ومواد معتادة يقدر على خلقها دفعة من غير حاجة الى شىء من الاسباب والمواد. قال ابن عباس رضى الله عنهما ان مريم رضى الله عنها كانت فى غرفة قد ضربت دونها سترا اذا هى برجل عليه ثياب بيض وهو جبريل تمثل لها بشرا سويا اى تام الخلق فلما رأته قالت اعوذ الرحمن منك ان كانت تقيا ثم نفخ فى جيب درعها حتى وصلت النفخة الى الرحم فاشتملت. قال وهب وكان معها ذو قرابة يقال له يوسف النجار وكان يوسف هذا يستعظم ذلك فاذا اراد ان يتهمها ذكر صلاحها واذا اراد ان يبرئها رأى ما ظهر عليها فكان اول ما كلمها ان قال لها قد دخل فى صدرى شىء اردت كتمانه فغلبنى ذلك فرأيت الكلام اشقى لصدرى قالت قل قال فحدثينى هل ينبت الزرع من غير بذر قالت نعم قال فهل ينبت الشجر من غير أصل قالت نعم قال فهل يكون ولد من غير ذكر قالت نعم الم تعلم أن الله أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر والبذر يومئذ انما صار من الزرع الذى انتب الله من غير بذر ألم تعلم ان الله خلق آدم وحواء من غير انثى ولا ذكر فلما قالت له ذلك وقع فى نفسه ان الذى بها شىء اكرمها الله به - روى - ان عيسى عليه السلام حفظ التوراة وهو فى بطن امه وكانت مريم تسمع عيسى وهو يدرس فى بطنها ثم لما شرف عالم الشهود اعطاه الله الزهادة فى الدنيا فانه كان يلبس الشعر ويتوسد الحجر ويستنير القمر وكان له قدح يشرب فيه الماء ويتوضأ فيه فرأى رجلا يشرب بيده فقال لنفسه يا عيسى هذا ازهد منك فرمى القدح وكسره واستظل يوما فى ظل خيمة عجوز فكان قد لحقه حر شديد فخرجت العجوز فطردته فقام وهو يضحك فقال يا امة الله ما انت اقمتنى وانما اقامنى الذى لم يجعل لى نعيما فى الدنيا ولما رفع الى السماء وجد عنده إبرة كان يرقع بها ثوبه فاقتضت الحكمة الآلهية نزوله فى السماء الرابعة.

السابقالتالي
2