الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَـٰرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَـٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ ثَوَاباً مِّن عِندِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ ٱلثَّوَابِ }

{ فاستجاب لهم ربهم } الى طلبتهم وهو اخص من اجاب فان اجاب معناه اعطاه الجواب وهو قد يكون بتحصيل المطلوب وبدونه واستجاب انما يقال لتحصيل المطلوب ويعدى بنفسه وباللام { انى } اى بانى { لا اضيع عمل عامل منكم } وهو ما حكى عنهم من المواظبة على ذكر الله تعالى فى جميع حالاتهم والتفكر فى مصنوعاته استدلالا واعتبارا والثناء على الله بالاعتراف بربوبيته وتنزيهه عن العبث وخلق الباطل والاشتغال بالدعاء وجعل هذه الاعمال سببا للاستجابة يدل على ان استجابة الدعاء مشروطة بهذه الشروط وبهذه الامور فلما كان حصول هذه الشرائط عزيزا لا جرم كان الشخص الذى يكون مجاب الدعاء عزيزا { من ذكر او انثى } بيان لعامل وتأكيد لعمومه وهذا يدل على انه لا تفاوت فى الاجابة وفى الثواب بين الذكر والانثى اذا كانا جميعا فى التمسك بالطاعة على التوبة والفضل فى باب الدين بالاعمال لا بسائر صفات العالمين لان كون بعضهم ذكرا او انثى او من نسب خسيس او شريف لا تأثير له فى هذا الباب { بعضكم من بعض } لان الذكر من الانثى والانثى من الذكر. قال الامام فيه وجوه احسنها ان يقال من بمعنى الكفا اى بعضكم كبعض فى الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. قال القفال هذا من قولهم فلان منى اى على خلقى وسيرتى وهى معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال ـ روت ـ ام سلمة قالت يا رسول الله انى اسمع الله يذكر الرجال فى الهجرة ولا يذكر النساء فنزل قوله تعالى { إنى لا اضيع } الى آخره اى كما ان بعضكم من بعض كذلك انتم فى ثواب العمل تثاب المرأة المعاملة كما يثاب الرجل العامل وبالعكس فلا اثيب بعضا واحرم آخر { فالذين هاجروا } تفصيل لاعمال العمال منهم وما اعد لهم من الثواب على المدح والتعظيم كأنه قال فالذين عملوا هذه الاعمال السنية الفائقة وهى المهاجرة من مبتدأ او طانهم فارّين الى الله بدينهم من دار الفتنة { واخرجوا من ديارهم } اى اضطروا الى الخروج من ديارهم التى ولدوا فيها ونشأوا بايذاء المشركين. قال الامام المراد من قوله { الذين هاجروا } الذين اختاروا المهاجرة من اوطانهم فى خدمة الرسول والمراد من الذين اخرجوا من ديارهم الذين الجأهم الكفار ولا شك ان رتبة الاولين افضل لانهم اختاروا خدمة الرسول وملازمته على الاختيار فكانوا افضل { وأُوذوا فى سبيلى } فى سبيل الحق ودين التوحيد بسبب ايمانهم بالله ومن اجله وهو متناول لكل اذية نالتهم من قبل المشركين { وقاتلوا } اى الكفار فى سبيل الله { وقتلوا } استشهدوا فى القتال { لأكفرن عنهم سيآتهم } اى والله لأمحوّن عنهم سيآتهم { ولأدخلنهم جنات جرى من تحتها الانهار ثوابا } الثواب فى الاصل اسم لما يثاب به كالعطاء اسم لما يعطى الا انه قد يوضع موضع المصدر فهو مصدر مؤكد بمعنى اثابة لان تكفير السيآت وادخال الجنة فى معنى الاثابة اى لأثيبنهم بذلك اثابة { من عند الله } صفة له اى كائنة من عند الله قصد بتوصيفة به تعظيم شأنه فان السلطان العظيم الشان اذا قال لعبده ألبسك خلعة من عندى دل ذلك على كون تلك الخلعة فى غاية الشرف واكد كون ذلك الثواب فى غاية الشرف بقوله { والله عنده حسن الثواب } اى حسن الجزاء على الطاعات قادر عليه وهو نعيم الجنة الباقى لا كنعيم الدنيا الفانى

السابقالتالي
2 3