الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }

{ الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم } نعت لاولى الالباب اى يذكرونه دائما على الحالات كلها قائمين وقاعدين ومضطجعين فان الانسان لا يخلو عن هذه الهيآت غالبا { ويتفكرون فى خلق السموات والارض } يعنى يعتبرون فى خلقهما. وانما خصص التفكر بالخلق لقوله عليه السلام " تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق ". وانما نهى عن التفكر فى الخالق لان معرفة حقيقته المخصوصة غير ممكنة للبشر فلا فائدة لهم فى التفكر فى ذات الخالق. ولما كان الانسان مركبا من النفس والبدن كانت العبودية بحسب النفس وبحسب البدن فاشار الى عبودية البدن بقوله { الذين يذكرون الله } الخ فان ذلك لا يتم الا باستعمال الجوارح والاعضاء واشار الى عبودية القلب والروح بقوله { ويتفكرون فى خلق السموات والارض }. " وعن عطاء بن ابى رباح قال دخلت مع ابن عمر وعبيد الله بن عمر على عائشة رضى الله عنها فسلمت عليها فقالت من هؤلاء فقلت عبيد الله بن عمر فقالت مرحبا بك يا عبيد الله بن عمر مالك لا تزورنا فقال عبيد الله زر غبا تزدد حبا قال ابن عمر دعونا من هذا حدثينا باعجب ما رأيت من رسول الله عليه السلام فبكت بكاء شديدا فقالت كل امره عجيب اتانى فى ليلتى فدخل فى فراشى حتى الصق جلده بجلدى فقال " يا عائشة أتأذنين لى ان اتعبد لربى " فقلت والله انى لاحب قربك وهواك قد اذنت لك فقام الى قربة من ماء فتوضأ منها ثم قام فبكى وهو قائم حتى بلغ الدموع حقويه حتى اتكأ على شقه الايمن ووضع يده اليمنى تحت خده الايمن فبكى حتى ادرّت الدموع وبلغت الارض ثم اتاه بلال بعدما اذن للفجر فلما رآه يبكى قال لم تبكى يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال " يا بلال أفلا اكون عبدا شكورا ومالى لا ابكى وقد انزلت على الليلة ان فى خلق السموات والارض الى قوله فقنا عذاب النار ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها " " وفى الحديث " تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة ". وفى التفضيل وجهان. احدهما ان التفكر يوصلك الى الله والعبادة توصلك الى ثواب الله والذى يوصلك الى الله خير مما يوصلك الى غير الله. والثانى ان التفكر عمل القلب والطاعة عمل الجوارح والقلب اشرف من الجوارح فكان عمل القلب اشرف من عمل الجوارح. ثم شرع فى تعليم الدعاء تنبيها على ان الدعاء انما يجدى ويستحق الاجابة اذا كان بعد تقديم الوسيلة وهى اقامة وظائف العبودية من الذكر والفكر فقال { ربنا }.

السابقالتالي
2 3 4