الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لَتُبْلَوُنَّ فِيۤ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ أَذًى كَثِيراً وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

{ لتبلون } اصل الابتلاء الاختبار اى تطلب الخبرة بحاله المختبر بتعريضه لامر يشق عليه غالبا ملابسة او مفارقة وذلك انما يتصور ممن لا وقوف له على عواقب الامور واما من جهة العليم الخبير فلا يكون الا مجازا من تمكينه للعبد من اختيار احد الامرين او الامور قبل ان يرتب عليه شيئاً هو من مباديه العادية. والجملة جواب قسم محذوف اى والله لتعاملن معاملة المختبر ليظهر ما عندكم من الثبات على الحق والاعمال الحنسة { فى اموالكم } بما يقع فيها من ضروب الآفات المؤدية الى الهلاك { وانفسكم } بالقتل والاسر والجراح وما يرد عليها من اصناف المتاعب والمخاوف والشدائد ونحو ذلك { ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم } اى من قبل ايتئاكم القرآن وهم اليهود والنصارى { ومن الذين اشركوا } من العرب كأبى جهل والوليد وابى سفيان وغيرهم { اذى كثيرا } من الطعن فى الدين الحنيف والقدح فى احكام الشرع الشريف وصد من اراد ان يؤمن وتخطئة من آمن وما كان من كعب بن الأشرف واصحابه من هجاء المؤمنين وتحريض المشركين على مضادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما لا خير فيه اخبرهم بذلك قبل وقوعها ليوطنوا انفسهم على الصبر والاحتمال على المكروه ويستعدوا للقائها فان هجوم الاوجال مما يزلزل اقدام الرجال والاستعداد للكروب مما يهون الخطوب { وان تصبروا } على تلك الشدائد والبلوى عند ورودها وتقابلوها بحسن التقابل { وتتقوا } اى تتبتلوا الى الله تعالى بالكلية معرضين عما سواه بالمرة بحيث يتساوى عندكم وصول المحبوب ولقاء المكروه { فان ذلك } يعنى الصبر والتقوى { من عزم الامور } من معزوماتها التى تنافس فيها المتنافسون اى مما يجب ان يعزم عليه كل احد لما فيه من كمال المزية والشرف او مما عزم الله تعالى عليه وامر به وبالغ فيه يعنى ان ذلك عزمة من عزمات الله لا بد ان تصبروا وتتقوا. واعلم ان مقابلة الاساءة تفضى الى ازدياد الاساءة فامر بالصبر تقليلا لمضار الدنيا وامر بالتقوى تقليلا لمضار الآخرة فالآية جامعة لآداب الدنيا والآخرة. فعلى العاقل ان يتخلق باخلاق الانبياء والاولياء ويتأدب بآدابهم فانهم كانوا يصبرون على الاذى ولا يقابلون السفيه بمثل مقابلته واذا مروا باللغو مروا كراما
بدى را بدى سهل باشد جزا كر مردى احسن الى من اساء   
وقد مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقولهوإنك لعلى خلق عظيم } القلم 4. قالت عائشة رضى الله عنها كان خلق النبى صلى الله عليه وسلم القرآن يعنى تأدب بآداب القرآن قيل مدار عظم الخلق بذل المعروف وكف الأذى اى احتماله ورسول الله عليه الصلاة والسلام كان موصوفا بها وقد انزل الله فى معروفه

السابقالتالي
2