الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ ٱلأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

{ لقد سمع الله قول الذين قالوا ان الله فقير ونحن اغنياء } قالته اليهود لما سمعوا قوله تعالىمن ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا } البقرة 245. ـ وروى ـ انه عليه الصلاة والسلام كتب مع ابى بكر رضى الله تعالى عنه الى يهود بنى قينقاع يدعوهم الى الاسلام والى اقام الصلاة وايتاء الزكاة وان يقرضوا الله قرضا حسنا فدخل ابو بكر رضى الله عنه ذات يوم بيت مدارسهم فوجد ناسا كثيرا من اليهود قد اجتعوا الى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم ومعه حبر آخر يقال له اشيع فقال ابو بكر لفنحاص اتق الله واسلم فوالله انك لتعلم ان محمدا رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم فى التوراة فآمن وصدق واقرض الله قرضا حسنا يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص يا ابا بكر تزعم ان ربنا يستقرض اموالنا وما يستقرض الا الفقير من الغنى فان كان ما تقول حقا فان الله اذا لفقير ونحن اغنياء وانه ينهاكم عن الربا ويعطينا ولو كان غنيا ما اعطانا الربا فغضب ابو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال والذى نفسى بيده لولا العهد الذى بيننا وبينكم لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص الى النبى صلى الله عليه وسلم فشكاه وجحد ما قاله فنزلت ردا عليه وتصديقا لابى بكر والجمع حينئذ مع كون القائل واحدا لرضى الباقين بذلك والمعنى انه لم يخف عليه تعالى واعد له من العقاب كفاءه والتعبير عنه بالسماع للايذان بانه من الشناعة والسماجة بحيث لا يرضى قائله بان يسمعه سامع { سنكتب ما قالوا } اى سنكتب ما قالوه من الخطة الشنعاء فى صحائف الحفظة او سنحفظه ونثبته فى علمنا لا ننساه ولا نهمله كما يثبت المكتوب. والسين للتأكيد اى لن يفوتنا ابدا تدوينه واثباته لكونه فى غاية العظم والهول كيف لا وهو كفر بالله تعالى واستهزاء بالقرآن العظيم والرسول الكريم عليه السلام { وقتلهم الانبياء } عطف عليه ايذانا بانهما فى العظم اخوان وتنبيها على انه ليس باول جريمة ارتكبوها بل لهم فيه سوابق وان من اجترأ على قتل الانبياء لم يبعد منه امثال هذه العظائم والمراد بقتلهم الانبياء رضاهم بفعل اسلافهم { بغير حق } متعلق بمحذوف وقع حالا من قتلهم اى كائنا بغير حق وجرم فى اعتقادهم ايضا كما هو فى نفس الامر { ونقول } عند الموت او عند الحشر او عند قراءة الكتاب { ذقوا عذاب الحريق } اى وننتقم منهم بعد الكتبة بان نقول لهم ذوقوا العذاب المحرق كما اذقتم المرسلين الغصص { ذلك } اشارة الى العذاب المذكور { بما قدمت ايديكم } بسبب ما اقترفتموه من قتل الانبياء والتفوه بمثل تلك العظيمة وغيرها من المعاصى والتعبير عن الانفس بالايدى لان اكثر الاعمال يزاول بهن فجعل كل عمل كالواقع بالايدى على سبيل التغليب { وان الله ليس بظلام للعبيد } محله الرفع على انه خبر مبتدأ محذوف والجملة اعتراض تذييلى مقررة لمضمون ما قبلها اى والامر انه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم والتعبير عن ذلك بنفى الظلم مع ان تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة اهل السنة فضلا عن كونه ظلما بالغا لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم كما يعبر عن ترك الاثابة على الاعمال باضاعتها مع ان الاعمال غير موجبة للثواب حتى يلزم من تخلفه عنها ضياعها وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بابراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب فى صورة المبالغة فى الظلم.

السابقالتالي
2 3