الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ يستبشرون بنعمة } كائنة { من الله } كرر لبيان أن الاستبشار المذكور ليس بمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبما يقارنه من نعمة عظيمة لا يقادر قدرها وهى ثواب اعمالهم { وفضل } اى زيادة عظيمة كما فى قوله تعالىللذين أحسنوا الحسنى وزيادة } يونس 26. { وان الله لا يضيع اجر المؤمنين } كافة سواء كانوا شهداء او غيرهم وهو بفتح ان عطف على فضل منتظم معه فى سلك المستبشر به. قال الامام الآية تدل على ان استبشارهم بسعادة اخوانهم من استبشارهم بسعادة انفسهم لان الاستبشار الاول فى الذكر هو باحوال الاخوان وهذا تنبيه من الله على ان فرح الانسان بصلاح حال اخوانه ومتعلقه يجب ان يكون اتم واكمل من فرحه وصلاح احوال نفسه. واعلم ان ظاهر الآية يدل على ان هؤلاء المقتولين وان فارقت ارواحهم من اجسادهم الا انهم احياء فى الحال. واختلف القائلون بحياتهم فى الحال انها للروح او للبدن ولا بد ههنا من تقديم مقدمة ليتضح بها المقام وهى ان الانسان المخصوص ليس عبارة عن مجموع هذه البنية المخصوصة بل هو شىء مغاير لها وذلك لان اجزاء هذه البنية فى الذوبان والانحلال والتبدل والتغير بالسمن وضده والصغر وخلافه والانسان المخصوص شىء واحد باق من اول عمره الى آخره والباقى مغاير للمتبدل فثبت ان الانسان مغاير لهذا البدن المخصوص ثم بعد هذا يحتمل ان يكون جسما مخصوصا ساريا فى هذه الجثة سريان النار فى الفحم والدهن فى السمسم وماء الورد فى الورد ويحتمل ان يكون جوهرا قائما بنفسه ليس بجسم ولا حال فى الجسم وعلى كلا المذهبين لا يبعد ان ينفصل ذلك الشىء حيا عند موت البدن فيثاب ويعذب على حسب اعماله والدلائل العقلية والنقلية الدالة على بقاء النفوس بعد موت الاجساد كثيرة متعاضدة فوجب المصير اليه وبه تزول الشبهات الواردة على القول بثواب القبر كما فى هذه الآية وعلى القول بعذاب القبر كما فى قوله تعالىاغرقوا فادخلوا نارا } نوح 25. اذا لم تمت النفوس بموت الابدان او قلنا بانه تعالى اماتها ثم اعاد الحياة اليها كما يدل عليه ما روى فى بعض الاخبار انه قال صلى الله عليه وسلم فى صفة الشهداء " ان ارواحهم فى اجواف طير خضر وانها ترد انهار الجنة وتأكل من ثمارها وتسرح فى الجنة حيث شاءت وتأوى الى قناديل من ذهب تحت العرش فلما رأوا طيب مطعمهم ومسكنهم ومشربهم قالوا يا ليت قومنا يعلمون ما نحن فيه من النعيم وما صنع الله بنا كى يرغبوا فى الجهاد فقال الله تعالى انا مخبر عنكم ومبلغ اخوانكم ففرحوا بذلك واستبشروا ".

السابقالتالي
2 3