الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

{ ولقد كنتم تمنون الموت } اى الحرب فانها من مبادى الموت او الموت بالشهادة والخطاب للذين لم يشهدوا بدرا وكانوا يتمنون ان يشهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا لينالوا ما ناله شهداء بدر من الكرامة فألحوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخروج ثم ظهر منهم خلاف ذلك { من قبل ان تلقوه } اى من قبل ان تشاهدوه وتعرفوا هوله وشدته { فقد رأيتموه } اى ما تتمنونه من اسباب الموت او الموت بمشاهدة اسبابه { وانتم تنظرون } معاينين مشاهدين له حين قتل بين ايديكم من قتل من اخوانكم واقاربكم وشارفتم ان تقتلوا فلم فعلتم ما فعلتم وهو توبيخ لهم على تمنيهم الحرب وتسببهم لها ثم جبنهم وانهزامهم لا على تمنى الشهادة بناء على ان فى تمنيها تمنى غلبة الكافر المسلم لان قصد متمنى الشهادة الى نيل كرامة الشهداء من غير ان يخطر بباله شىء غير ذلك فلا يستحق العتاب من تلك الجهة كما ان من يشرب دواء الطبيب النصرانى يقصد الى حصول المأمول من الشفاء ولا يخطر بباله ان فيه جر منفعة واحسانا الى عدو الله وتنفيقا لصناعته. واعلم ان حاصل الكلام ان حب الدنيا لا يجتمع مع سعادة الآخرة فبقدر ما يزداد احدهما ينتقص الآخر وذلك لان سعادة الدنيا لا تحصل الا باشتغال القلب بطلب الدنيا وسعادة الآخرة لا تحصل الا بفراغ القلب من كل ما سوى الله وامتلائه من حب الله وهذان الامران مما لا يجتمعان فلهذا السر وقع الاستبعاد الشديد فى هذه الآية من اجتماعهما. وايضا حب الله وحب الآخرة لا يتم بالدعوى فليس كل من اقر بدين الله كان صادقا ولكن الفصل فيه تسليط المكروهات والمحرمات فان الحب هو الذى لا ينتقص بالجفاء ولا يزداد بالوفاء فان بقى الحب عند تسلط اسباب البلاء ظهر ان ذلك الحب كان حقيقيا فلهذه الحكمة قالأم حسبتم أن تدخلوا الجنة } آل عمران 142. بمجرد تصديقكم الرسول قبل ان يبتليكم الله بالجهاد وتشديد المحنة. قال القشيرى رحمه الله من ظن انه يصل الى محل عظيم دون مقاساة الشدائد القته امانيه فى مهواة الهلاك وان من عرف قدر مطلوبه سهل عليه بذل مجهوده قال الشاعر
وما جاد دهر بلذاته على من يضن بخلع العذار   
فالدولة العظمى هى سعادة الآخرة فانها باقية ودولة الدنيا فانية كما قيل
جهان مثال جراغيست دركذركه باد غلام همت آنم كه دل بروننهاد   
وسئل الشبلى عن نعت العارف فقال لسانه بذكر الله ناطق وقلبه بحجة الله صادق وسره بوعد الله واثق وروحه الى سبيل الله سابق وهو ابدا على الله عاشق فلا بد لان يكون المرء من العارفين من ترك الدعوى والاقبال الى المولى وبذل الروح فى طريقه ـ حكى ـ عن حاتم الاصم انه قال لقينا الترك وكان بيننا صولة فرمانى تركى بوهق فاقبلنى عن فرسى ونزل عن دابته وقعد على صدرى واخذ بلحيتى هذه الوافرة واخرج من خفه سكينا ليذبحنى قال فوحق سيدى ما كان قلبى عنده ولا عند سكينه وانا ساكت متحير اقول سيدى اسلمت نفسى اليك ان قضيت على ان يذبحنى هذا فعلى الرأس والعين اما انا لك وملكك فبينا انا اخاطب سيدى وهو قاعد على صدرى اذ رماه بعض المسلمين بسهم فما اخطأ حلقه فسقط عنى فقمت انا اليه فاخذت السكين من يده فذبحته بها فيا هؤلاء لتكن قلوبكم عند السيد حتى ترون من عجائب لطفه ما لا ترون من الآباء والامهات واعلموا ان من صبر واستسلم ظفر ومن فرّ اتبع فلم يتخلص ونعم العون الصبر عند الشدائد

السابقالتالي
2