الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلِيُمَحِّصَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ ٱلْكَافِرِينَ }

{ ولا تهنوا } من الوهن وهو الضعف اى لا تضعفوا عن الجهاد بما اصابكم من الجراح يوم احد { ولا تحزنوا } على من قتل منكم وهى صيغة نهى ورد للتسكين والتصبير لا النهى عن الحزن { وانتم الاعلون } اى والحال انكم الاعلون الغالبون دون عدوكم فان مصير امرهم الى الدمار حسبما شاهدتم فى احوال اسلافهم لان الباطل يكون زهوقا واصله اعليون فكرهوا الجمع بين اخت الكسرة والضمة { ان كنتم مؤمنين } والجواب محذوف دل عليه المذكور اى ان كنتم مؤمنين فلا تهنوا ولا تحزنوا فان الايمان يوجب قوة القلب والثقة بصنع الله وقلة المبالاة باعدائه ولا يتعلق بالنهى المذكور لان الجزاء لا يتقدم على الشرط لكونهما كالكلمة الواحدة { ان يمسسكم } اى يصبكم { قرح } فتحا وضما اى جراحة { فقد مس القوم } اى الكفار ببدر { قرح مثله } قيل قتل المسلمون من الكافرين ببدر سبعين واسروا سبعين وقتل الكافرون من المسلمين باحد سبعين واسروا سبعين والمعنى ان نالوا منكم يوم احد فقد نلتم منهم قبله يوم بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يثبطهم عن معاودتكم بالقتال فانتم اولى بان لا تضعفوا فانكم ترجون من الله ما لا يرجون { وتلك الايام } اشارة الى الايام الجارية فيما بين الامم الماضية والآتية كافة لا الى المعهودة خاصة من يوم بدر ويوم احد بل هى داخلة فيها دخولا اوليا والمراد بها اوقات الظفر والغلبة { نداولها بين الناس } ونصرفها بينهم نديل لهؤلاء تارة ولهؤلاء اخرى كقول من قال
فيوما علينا ويوما لنا ويوما نساء ويوما نسرّ   
والمداولة نقل الشىء من واحد الى واحد وقالوا تداولته الايدى اى تناقلته واليس المراد من هذه المداولة ان الله تعالى تارة ينصر المؤمنين واخرى ينصر الكافرين وذلك لان نصره تعالى منصب شريف فلا يليق بالكفار بل المراد انه تعالى تارة يشدد المحنة على الكفار واخرى على المؤمنين وانه لو شدد المحنة على الكفار فى جميع الاوقات وازالها عن المؤمنين فى جميع الاوقات لحصل العلم الضرورى والاضطرارى بان الايمان حق وما سواه باطل ولو كان كذلك لبطل التكليف والثواب والعقاب فلهذا المعنى تارة يسلط الله المحنة على اهل الايمان واخرى على اهل الكفر لتكون الشبهات باقية والمكلف يدفعها بواسطة النظر فى الدلائل الدالة على صحة الاسلام فيعظم ثوابه عند الله ولان المؤمن قد يقدم على بعض المعاصى فيكون اما تشديد المحنة عليه فى الدنيا ادبا له واما تشديد المحنة على الكافر فانه يكون غضبا من الله { وليعلم الله الذين آمنوا } عطف على علة محذوفة اى نداولها بينكم ليكون من المصالح كيت وكيت وليعلم الله ايذانا بان العلة فيما فعل غير واحدة وانما يصيب المؤمن فيه من المصالح مالا يعلم وهو اما من باب التمثيل اى ليعاملكم معاملة من يريد ان يعلم المخلصين الثابتين على الايمان من غيرهم او العلم فيه مجاز عن التمييز بطريق اطلاق اسم السبب على المسبب اى ليميز الثابتين على الايمان من غيرهم او هو على حقيقة معتبرة من حيث تعلقه بالمعلوم من حيث انه موجود بالفعل اذ هو الذى يدور عليه فلك الجزاء لا من حيث انه موجود بالقوة فالمعنى ليعلم الله الذين آمنوا علما يتعلق به الجزاء { ويتخذ منكم شهداء } جمع شهيد اى ويكرم ناسا منكم بالشهادة وهم شهداء احد { والله لا يحب الظالمين } ونفى المحبة كناية عن البغض اى يبغض الذين يضمرون خلاف ما يظهرون او الكافرين وهو اعتراض.

السابقالتالي
2 3