الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }

{ قد خلت من قبلكم سنن } اصل الخلو الانفراد والمكان الخالى هو المنفرد عمن يسكن فيه ويستعمل ايضا فى الزمان الماضى لان ما مضى انفرد عن الوجود وخلا عنه وكذا الامم الخالية والسنن الوقائع اى قد مضت من قبل زمانكم وقائع سنها الله فى الامم المكذبة اى وضعها طريقة يسلكها على وفق الحكمة فالمراد بسنن الله تعالى معاملات الله فى الامم المكذبة بالهلاك والاستئصال بدليل قوله تعالى { فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين } { فسيروا فى الارض } اى ان شككتم فى ذلك فسيروا وليس المراد الامر بالمسافرة فى الارض بسير الاقدام لا محالة بل المقصود تعرف احوالهم فان حصلت المعرفة بغير السير حصل المقصود ولعل اختيار لفظ سيروا مبنى على ان اثر المشاهدة اقوى من اثر السماع كما قيل ليس الخبر كالمعاينة وفى هذا المعنى قيل
ان آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا الى الآثار   
{ فانظروا } بنظر العين والمشاهدة { كيف } خبر مقدم لكان معلق لفعل النظر والجملة فى محل النصب بعد نزع الخافض لان الاصل استعماله بالجار { كان عاقبة المكذبين } رسلى واوليائى { هذا } اشارة الى ما سلف من قوله قد خلت الخ { بيان للناس } وهم المكذبون اى ايضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب فان الامر بالسير والنظر وان كان خاصا بالمؤمنين لكن العمل بموجبه غير مختص بواحد دون واحد ففيه حمل للمكذبين ايضا على ان ينظروا الى عواقب ما قبلهم من اهل التكذيب ويعتبروا بما يعاينون من آثار دمارهم وان لم يكن الكلام مسوقا لهم والبيان هو الدلالة على الحق فى أى معنى كان بازالة ما فيه من الشبهة { وهدى } اى زيادة بصيرة وهو مختص بالدلالة والارشاد الى طريق الدين القويم والصراط المستقيم ليتدين به ويسلك { وموعظة } وهو الكلام الذى يفيد الزجر عما لا ينبغى فى الدين { للمتقين } اى لكم والاظهار للايذان بعلة الحكم فان مدار كونه هدى وموعظة لهم انما هو تقواهم. واعلم ان الامم الماضية خالفوا الانبياء والرسل للحرص على الدنيا وطلب لذاتها ثم انقرضوا ولم يبق من دنياهم اثر وبقى عليهم اللعن فى الدنيا والعقاب فى الآخرة فرغب الله تعالى امة محمد صلى الله عليه وسلم المصدقين فى تأمل احوال هؤلاء الماضين ليصير ذلك داعيا لهم الى الانابة والاعراض عن الاغترار بالحظوظ الفانية واللذات المقتضية فان الدنيا لا تبقى مع المؤمن ولا مع الكافر فالمؤمن يبقى له بعد موته الثناء الجميل فى الدنيا والثواب الجزيل فى العقبى والكافر بخلافه فاللائق ان يجتهد فيما هو خير وابقى ولا ينظر الى زخارف الدنيا. ثم فى هذا تسلية للمؤمنين فيما اصابهم يوم احد فان الكفار وان نالوا من المؤمنين بعض النيل لحكمة اقتضته فالعاقبة للمؤمنين قال تعالى

السابقالتالي
2