الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }

{ ضربت عليهم الذلة اينما ثقفوا } اى فى أى مكان وأى زمان وجدوا فى دار الاسلام الزموا الذل اى هدر النفس والمال والاهل بحيث صار كشىء يضرب على الشىء فيحيط به { الا بحبل من الله وحبل من الناس } استثناء من اعم الاحوال اى ضربت عليهم الذلة ضرب القبة على من هى عليه فى جميع الاحوال الا حال كونهم معتصمين بذمة الله وذمة المسلمين واستعير الحبل للعهد لانه سبب للنجاة والفوز بالمراد. وعطف قوله { وحبل من الناس } على قوله { بحبل من الله } يقتضى المغايرة. قال الامام فى وجهه الامان الحاصل للذمى قسمان. احدهما الذى نص الله عليه وهو الامان الحاصل له باعطاء الجزية عن يد وقبوله اياها. والثانى الامان الذى فوض الى رأى الامام واجتهاده فيعطيهم الامان مجانا تارة وببدل زائد او ناقص اخرى على حسب اجتهاده فالاول هو المسمى بحبل الله والثانى هو المسمى بحبل المؤمنين فالامانان واقعان بمباشرة المسلمين الا انهما متغايران بالاعتبار { وباؤا بغضب من الله } اى رجعوا بغضب كائن منه تعالى مستوجبين له { وضربت عليهم المسكنة } اى زى الافتقار فهى محيطة بهم من جميع جوانبهم واليهود فى غالب الامر فقراء اما فى نفس الامر واما انهم يظهرون من انفسهم الفقر وان كانوا اغنياء موسرين فى الواقع { ذلك } اشارة الى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة عليهم والبوء بالغضب العظيم { بانهم كانوا يكفرون بآيات الله } اى ذلك الذى ذكر كائن بسبب كفرهم المستمر بآيات الله الناطقة بنبوة محمد عليه السلام وتحريفهم لها ولسائر الآيات القرآنية { ويقتلون الانبياء بغير حق } اى فى اعتقادهم ايضا وهؤلاء المتأخرون وان لم يصدر عنهم قتل الانبياء لكنهم كانوا راضين بفعل اسلافهم مصوبين لهم فى تلك الافعال القبيحة وطالبين للقتل لو ظفروا به فكانوا بذلك كأنهم فعلوه بانفسهم فلذا اسند القتل اليهم { ذلك } اشارة الى ما ذكر من الكفر والقتل { بما عصوا وكانوا يعتدون } اى كان بسبب عصيانهم واعتدائهم حدود الله تعالى على الاستمرار فان الاصرار على الصغائر يفضى الى مباشرة الكبائر والاستمرار عليها يؤدى الى الكفر فان من توغل فى المعاصى والذنوب واستمر عليها لا جرم تتزايد ظلمات المعاصى على قلبه حالا فحالا ويضعف نور الايمان فى قلبه حالا فحالا ولم يزل الامر كذلك الى ان يبطل نور الايمان وتحصل ظلمة الكفر نعوذ بالله من ذلك واليه الاشارة بقوله تعالىكلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } المطففين 14. فقوله تعالى { ذلك بما عصوا } اشارة الى علة العلة ولهذا المعنى قال ارباب المعاملات من ابتلى بترك الادب وقع فى ترك السنن ومن ابتلى بترك السنن وقع فى ترك الفريضة ومن ابتلى بترك الفريضة وقع فى استحقار الشريعة ومن ابتلى بذلك وقع فى الكفر.

السابقالتالي
2