الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا } هم اهل الكتابين حيث تفرقت اليهود فرقا والنصارى فرقا { واختلفوا } باستخراج التأليفات الزائغة وكتم الآيات الناطقة وتحريفها بما اخلدوا اليه من حطام الدنيا الدنية. قال الامام تفرقوا بابدانهم بان صار كل واحد من اولئك الاحبار رئيسا فى بلد ثم اختلفوا بان صار كل واحد منهم يدعى انه على الحق وان صاحبه على الباطل. واقول انك اذا أنصفت علمت ان اكثر علماء هذا الزمان صاروا موصوفين بهذه الصفة فنسأل الله العفو والرحمة انتهى { من بعد ما جاءهم البينات } اى الآيات الواضحة المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه واتحاد الكلمة { واولئك لهم عذاب عظيم } فى الآخرة بسبب تفرقهم فانه يدوم ولا ينقطع ولما امر الله هذه الامة بان يكونوا آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر وذلك لا يتم الا اذا كان الآمر بالمعروف قادرا على تنفيذ هذا التكليف على الظلمة والمتغلبين ولا تحصل هذه القدرة الا اذا حصلت الالفة والمحبة بين اهل الحق والدين فلا جرم حذرهم الله عن التفرقة والاختلاف لكيلا يصير ذلك سببا لعجزهم عن القيام بهذا التكليف. فعلى المؤمنين ان لا يكونوا ناشئين بمقتضى طباعهم غير متابعين لامام ولا متفقين على كلمة واحدة باتباع مقدم يجمعهم على طريقة واحدة فان لم يكن لهم مقتدى وامام تتحد عقائدهم وسيرهم وآراؤهم بمتابعته وتتفق كلمتهم فى الآخرة على محسوس اوضح من ظهوره فى الدنيا ممن دعا الى الله على بصيرة كالرسول واتباعه الذين الحقهم الله بدرجات الدنيا فى الدعاء اليه على بصيرة كلماتهم وعاداتهم واهوائهم لمحبته وطاعته كانوا مهملين متفرقين فرائس للشيطان كشريدة الغنم تكون للذئب ولهذا قال امير المؤمنين على رضى الله عنه لا بد للناس من امام بار او فاجر ولم يرسل نبى الله رجلين فصاعدا لشأن الاوامر احدهما على الآخر وامر الآخر بمتابعته وطاعته ليتحد الامر وينتظم والا وقع الهرج والمرج واضطرب امر الدين والدنيا واختل نظام المعاش والمعاد قال عليه السلام " من فارق الجماعة قيد شبر لم ير بحبوحة الجنة ". وقال " يد الله مع الجماعة ". فان الشيطان مع الفذ هو من الاثنين ابعد ألا يرى ان الجمعية الانسانية اذا لم تنضبط برياسة القلب وطاعة العقل كيف اختل نظامها وآلت الى الفساد والتفرق الموجب لخسار الدنيا والآخرة ولما نزل قوله تعالىوان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله } الأنعام 153. خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال " هذا سبيل الرشد ". ثم خط عن يمينه وشماله خطوطا فقال " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعوا اليه ".

السابقالتالي
2