الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ والذين جاهدوا فينا } الجهاد والمجاهدة استفراغ الوسع فى مدافعة العدو اى جدوا وبذلوا وسعهم فى شأننا وحقنا ولوجهنا خالصا. واطلق المجاهدة ليعم جهاد الاعداء الظاهرة والباطنة اما الاول فكجهاد الكفار المحاربين واما الثانى فكجهاد النفس والشيطان وفى الحديث " جاهدوا اهواءكم كما تجاهدون اعداءكم " يكون الجهاد باليد واللسان كما قال عليه السلام " جاهدوا الكفار بايديكم و السنتكم " اى بما يسوءهم من الكلام كالهجو ونحوه. قال ابن عطاء المجاهدة صدق الافتقار الى الله بالانقطاع عن كل ماسواه وقال عبدالله بن المبارك المجاهدة علم ادب الخدمة فان ادب الخدمة اعز من الخدمة. وفى الكواشى المجاهدة غض البصر وحفظ اللسان وخطرات القلب ويجمعها الخروج عن العادات البشرية انتهى فيدخل فيها الغرض والقصد { لنهدينهم سبلنا } الهداية الدلالة الى مايوصل الى المطلوب. والسبل جمع سبيل الطريق الذى فيه سهولة انتهى. وانما جمع لان الطريق الى الله بعدد انفاس الخلائق والمعنى سبل السير الينا والوصول الى جنابنا. وقال ابن عباس رضى الله عنهما يريد المهاجرين والانصار اى والذين جاهدوا المشركين وقاتلوهم فى نصرة ديننا لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة والرضوان. وقال بعضهم معنى الهداية ههنا التثبيت عليها الزيادة فيها فانه تعالى يزيد المجاهدين هداية كما يزيد الكفارين ضلالة فالمعنى لنزيدنهم هداية الى سبل الخير وتوفيقا لسلوكها كقوله تعالىوالذين اهتدوا زادهم هدى } وفى الحديث " من عمل بماعلم ورثه الله علم مالم يعلم " وفى الحديث " من اخلص لله اربعين صباحا انفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " وقال سهل بن عبدالله التسترى رحمه الله والذين جاهدوا فى اقامة السنة لنهدينهم سبيل الجنة ثم قيل مثل السنة فى الدنيا كمثل الجنة فى العقبى من دخل الجنة فى العقبى سلم كذلك من لزم السنة فى الدنيا سلم. ويقال والذين جاهدوا بالتوبة لنهدينهم الى الاخلاص. والذين جاهدوا فى طلب العلم لنهدينهم الى طريق العمل به. والذين جاهدوا فى رضانا لنهدينهم الى الوصول الى محل الرضوان. والذين جاهدوا فى خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والانس بنا والمشاهدة لنا. والذين اشغلوا ظواهرهم بالوظائف اوصلنا الى اسرارهم اللطائف العجب ممن يعجز عن ظاهره ويطمع فى باطنه ومن لم يكن اوائل حاله المجاهدة كانت اوقاته موصولة بالامانى ويكون حظه البعد من حيث يأمل القرب. والحاصل انه بقدر الجد تكتسب المعالى فمن جاهد بالشريعة وصل الى الجنة ومن جاهد بالطريقة وصل الهدى من جاهد بالمعرفة والانفصال عما سوى الله وصل الى العين واللقاء. ومن تقدمت مجاهدته على مشاهدته كما دلت الآية عليه صار مريدا مرادا وسالكا مجذوبا وهو اعلى درجة ممن تقدمت مشاهدته على مجاهدته وصار مرادا مريدا ومجذوبا سالكا لان سلوكه على وفق العادة الالهية ولانه متمكن هاضم بخلاف الثانى فانه متلون مغلوب وربما تكون مفاجاة الكشف من غير ان يكون المحل متهيئا له سببا للالحاد والجنون والعياذ بالله تعالى.

السابقالتالي
2 3