الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ }

{ والذى } الخ معطوف على الصفة الاولى وتكرير الموصول فى المواقع الثلاثة للدلالة على ان كل واحدة من الصلات مستقلة باقتضاء الحكم { هو } وحده { يطعمنى } أى طعام شاء وبالفارسية ميخواراندمرا غدايى كه قوم اجزاء بدن منسب { ويسقين } أى شراب شاء وبالفارسية مى آشاماند مرا شرابى كه موجب تسكين عطش وسبب تربيت اعضاء اى هو رازقى فمن عنده طعامى وشرابى وليس الاطعام والسقى عبارتين عن مجرد خلق الطعام والشراب له او تمليكهما اياه بل يدخل فيهما اعطاء جميع ما يتوقف الانتفاع بالطعام والشراب عليه كالشهووة وقت المضغ والابتلاع والهضم والدفع ونحو ذلك. ومن دعاء ابى هريرة رضى الله عنه " اللهم اجعل لى ضرسا طحونا ومعدة هضوما ودبرا بثورا ". واشارت الآية الى مقام التوكل والرضى والتسليم والتفويض وقطع الاسباب والاقبال اليه بالكلية والاعراض عما سواه. صاحب بحر الحقائق فرمودكه مراد طعام عبوديتست كه دلها بآن زنده شود وشراب طهور تجلى صفت ربوبيت كه ارواح بآن تازه باشد. وذو النون مصرى قدس سره فرمودكه اين طعام طعام معرفتست واين شراب شراب محبت واين بيت خوانده
شراب المحبة خير الشراب وكل شراب سواه سراب   
واز فحواى كلام شمه از اسرار كلام حقائق نظام ابيت عند ربى يطعمنى ويسقينى بى تواندبرد
ترا نوال دمادم زخانه يطعمنى ترا بياله مدام از شراب يسقينى مرا توقبله دينى ازان سبب كفتم بمردمان كه " لكم دينكم ولى دينى "   
وقد اختلف الناس فى الطعام والشراب المذكورين فى الحديث على قولين. احدهما انه طعام وشراب حسى للفم قالوا وهذه حقيقة اللفظ ولا يوجب العدول عنه ماقال بعضهم كان يؤتى بطعام من الجنة. والثانى ان المراد به مايغذيه الله به من معارفه وما يفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه ونعيم محبته وتوابع ذلك من الاحوال التى هى غذاء القلوب ونعيم الارواح وقرة الاعين وبهجة النفوس. قال الشيخ الشهير بافتاده افندى قدس سره انما اكل نبينا عليه السلام فى الظاهر لاجل امته الضعيفة والا فلا احتياج له الا الاكل والشرب وما روى من انه كان يشد الحجر على بطنه فهو ليس من الجوع بل من كمال لطافته لئلا يصعد الى الملكوت بل يبقى فى عالم الملك ويحصل له الاستقرار فى عالم الارشاد وقد حكى عن بعض امته انه لم يأكل ولم يشرب سنين وهو اولى واقوى فى هذا الباب من امته لقوة انجذابه الى عالم القدس وتجرده عن غواشى البشرية وكان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سقاء تبع النبى صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام يقرأوما من دابة فى الارض الا على الله رزقها } فرمى بقربته فاتاه آت فى منامه بقدح من شراب الجنة فسقاه قال انس رضى الله عنه فعاش بعد ذلك نيفا وعشرين سنة لم يأكل ولم يشرب على شهوة كما فى كشف الاسرار