الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }

{ وهو الذى جعل } بحكمته التامة { الليل والنهار خلفة } الخلفة مصدر للنوع فلا يصلح ان يكون مفعولا ثانيا لجعل ولا حالا من مفعوله فلابد من تقدير المضاف ويستعمل بمعنى كان خليفته او بمعنى جاء بعده فالمعنى على الاول جعلهما ذوى خلفة يخلف كل واحد منهما الآخر بان يقوم مقامه فيما ينبغى ان يعمل فيه فمن فرط فى عمل احدهما قضاه فى الآخر فيكون توسعة على العباد فى نوافل العبادات والطاعات ويؤيده ما " قال عليه السلام لعمر بن الخطاب رضى الله عنه وقد فاتته قراءة القرآن بالليل " يا ابن الخطاب لقد انزل الله تعالى فيك آية وهو الذى الخ مافاتك من النوافل بالليل فاقضه فى نهارك ومافاتك فى النهار فاقضه فى الليل " وعلى الثانى جعلهما ذوى اعتقاب يجىء الليل ويذهب النهار ويجىء النهار ويذهب الليل ولم يجعل نهارا لا ليل له وليلا لا نهار له ليعلم الناس عدد السنين والحساب وليكون للانتشار فى المعاش وقت معلوم وللاستقرار والاستراحة وقت معلوم. ففى الآية تذكير لنعمته وتنبيه على كمال حكمته وقدرته { لمن اراد ان يذكر } ان يتذكر آلاء الله ويتفكر فى صنعه فيعلم ان لا بد له من صانع حكيم واجب بالذات رحيم على العباد فالمراد بمن هو الكافر ثم اشار الى المؤمن بقوله { او اراد شكورا } بضم الشين مصدر بمعنى الشكر اى ان يشكر الله بطاعته على ما فيها من النعم فتكون او على حالها ويجوز ان تكون بمعنى الواو فالمعنى جعلناهما خلفة ليكونا وقتين للذاكرين والشاكرين من فاته ورده فى احدهما تداركه فى الآخر ووجه التعبير باو التنبيه على استقلال كل واحد منهما بكونه مطلوبا من الجعل المذكور ولو عطف بالواو لتوهم ان المطلوب مجموع الامرين، قال الامام الراغب الشكر تصور النعمة واظهارها قيل هو مقلوب على الكشر اى الكشف ويضاده الكفر وهو نسيان النعمة وسترها وقيل اصله من عين شكرى اى ممتلئة والشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه والشكر على ثلاثة اضرب شكر بالقلب وهو تصور النعمة وشكر باللسان وهو الثناء على النعمة وشكر بسائر الجوارح وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقها
عطايست هرموى ازو برتنم جه كونه بهر موى شكرى كنم   
اعلم ان الآية الكريمة اشارة الى ان ورد النفل لا يقضى اذا فات لكن على طريق الاستحباب لا على طريق الوجوب وذلك ان دوام الورد سبب لدوام الوارد ودوام الوارد سبب للوصلة ألا ترى ان النهر انما يصل الى البحر بسبب امداد الامطار والثلوج التى فى الجبال فلو انقطع المدد فقد المرام كما قال الصائب
از زاهدان خشك رسايى طمع مدار سيل ضعيف واصل دريا نميشود   

السابقالتالي
2