الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً }

{ وهو } اى الله تعالى وحده { الذى جعل لكم الليل لباسا } كاللباس يستركم بظلامه كما يستر اللباس فشبه ظلامه باللباس فى الستر. واصل اللبس ستر الشىء وجعل اللباس وهو ما يلبس اسما لكل ما يغطى الانسان من قبيح وجعل الزوج لزوجها لباسا فى قولههن لباس لكم وانتم لباس لهن } من حيث انه يمنعها عن تعاطى قبيح وجعل التقوى لباسا فى قولهولباس التقوى } على طريق التمثيل والتشبيه، فان قلت اذا كان ظلمة الليل لباسا فلا حاجة الى ستر العورة فى صلاة الليل، قلت لااعتبار لستر الظلمة فان ستر العورة باللباس ونحوه لحق الصلاة هو باق فى الظلمة والضوء { والنوم سباتا } النوم استرخاء اعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد والسبت قطع العمل ويوم سبتهم يوم قطعهم للعمل وسمى يوم السبت لذلك او لانقطاع الايام عنده لان الله تعالى ابتدأ بخلق السموات والارض يوم الاحد فخلقها فى ستة ايام فقطع عمله يوم السبت كما فى المفردات. والمعنى وجعل النوم الذى يقع فى الليل غالبا راحة للابدان بقطع المشاغل والاعمال المختصة بحال اليقظة او جعله موتا فعبر عن القطع بالسبات الذى هو الموت لما بينهما من المشابهة التامة فى انقطاع الحياة وعليه قوله تعالىوهو الذى يتوفاكم بالليل } فالموت والنوم من جنس واحد خلا ان الموت هو الانقطاع الكلى اى انقطاع ضوء الروح عن ظاهر البدن وباطنه والنوم هو الانقطاع الناقص اى انقطاع ضوء الروح عن ظاهره دون باطنه والمسبوت الميت لانقطاع الحياة عنه والمريض المغشى عليه لزوال عقله وتمييزه وعليه قولهم مثل المبطون والمفلوج والمسبوت ينبغى ان لا يبادر الى دفنهم حتى يمضى يوم وليلة ليتحقق موتهم { وجعل النهار نشورا } النهار الوقت الذى ينتشر فيه الضوء وهو فى الشرع مابين طلوع الفجر الى غروب الشمس وفى الاصل مابين طلوع الشمس الى غروبها والنشور اما من الانتشار اى وجعل النهار ذا نشور اى انتشار ينتشر فيه الناس لطلب المعاش وابتغاء الرزق كما قاللتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله } او من نشر الميت اذا عاد حيا اى وجعل النهار زمام بعث من ذلك السبات والنوم كبعث الموتى على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه اى نفس البعث على طريق المبالغة، وفيه اشارة الى ان النوم واليقظة انموذج للموت والنشور، وعن لقمان عليه السلام يابنى كما تنام فتوقظ كذلك تموت فتنشر وفى المثنوى
نوم ماجون شد اخ الموت اى فلان زين برادر آن برادررا بدان   
وفى الآية رخصة للمنام بقدر دفع الضرورة وهو فتور البدن، قال بعض الكبار النوم راحة للبدن والمجاهدات اتعاب البدن فيتضادان وحقيقة النوم سد حواس الظاهر لفتح حواس القلب والحكمة فى النوم ان الروح القدسى او اللطيفة الربانية او النفس الناطقة غريبة جدا فى هذا الجسم السفلى مشغولة باصلاحه وجلب منافعه ودفع مضاره محبوسة فيه مادام المرء يقظان فاذا نام ذهب الى مكانه الاصلى ومعدنه الذاتى فيستريح بواسطة لقاء الارواح ومعرفة المعانى والغيوب مما يتلقى فى حين ذهابه الى عالم الملكوت من المعانى التى يراها بالامثلة فى عالم الشهادة وهو السر فى تعبير الرؤيا فاذا هجر المجاهد النوم والاستراحة ذابت عليه اجزاء الاركان الاربعة من الترابية والمائية والنارية والهوائية فيعرى القلب حينئذ عن الحجب فينظر الى عالم الملكوت بعين قلبه فيشتاق الى ربه وربما يرى المقصود فى نومه كما حكى عن شاه شجاع انه لم ينم ثلاثين سنة فاتفق انه نام ليلة فرأى الحق سبحانه فى منامه ثم بعد ذلك كان يأخذ الوسادة معه ويضطجع حيث كان فسئل عن ذلك فانشأ يقول

السابقالتالي
2