الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

{ يوم ترونها } منتصب بما بعده أي وقت رؤيتكم تلك الزلزلة { تذهل كل مرضعة عما أرضعت } الذهول الذهاب عن الامر مع دهشة والمرضعة المرأة المباشرة للارضاع بالفعل وبغير التاء هى التى من شأنها الارضاع لكن لم تلابس الفعل ومثلها حائض وحائضة والتعبير عن الطفل بما دون من لتأكيد الذهول وكونه بحيث يخطر ببالها انه ماذا اى تغفل مع حيرة عما هى بصدد ارضاعه من طفلها الذى ألقمته ثديها اشتغالا بنفسها وخوفاً وبالفارسية غافل شود وفراموش كند أزهيبت آن هر شير دهنده ازان فرزندى كه ويرا شيرميدهدبا وجود مهربائى مرضعه بررضيع اى لو كان مثلها في الدنيا لذهلت المرضعة عما أرضعته لغير فطام وكذا قوله تعالى { وتضع كل ذات حمل حملها } أي تلقى وتسقط جنينها لغير تمام من شدة غشيها والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر وبالكسر ما كان على الظهر. وفي التأويلات النجمية يشير الى مواد الأشياء فان لكل شىء مادة هى ملكوته ترضع رضيعها من الملك وذهولها عنه بهلاك استعدادها للارضاع وذات حمل هى ما تسمى هيولى فاها حامل بالصور اى تسقط حمل الصور الشهادية املاك الهيولى { وترى الناس } اهل الموقف { سكارى } جمع سكران اى كأنهم سكارى وافراد الخطاب هنا بعد جمعه فى ترونها لان الزلزلة يراها الجميع لكونها امرا مغايرا للناس بخلاف الحالة القائمة بهم من أثر السكر فان كل احد لا يرى الا ماقام بغيره والسكر حالة تعرض بين المرء وعقله واكثر ما يستعمل ذلك في الشراب وقد يعترى من الغضب والعشق ولذا قال الشاعر
سكران سكر هوى وسكر مدامة   
ومنه سكرات الموت، قال جعفر رضى الله عنه اسكرهم ما شاهدوا من بساط العز والجبروت وسرادق الكبرياء حتى الجأ النبيين الى ان قالوا نفسى نفسى
دران روز كزفعل برسند وقول اولوا العزم را تن بلرزد زهول بجايى كه دهشت خورد انبيا تو عذر كنه را جه دارى بيا   
{ وما هم بسكارى } حقيقة، قال الكاشفى زيرا زوال عقل ازخوف وحيرت سكر نباشد واكر رأى العين ما نند سكر نمايد وفيه اشاره الى ان الصور الاخروية وان كانت مثل الصور الدنيوية في ظاهر النظر لكن بين الحقيقتين تخالف ولذا قال ابن عباس رضى الله عنهما لا يشبه شىء مما فى الجنة شيأ مما فى الدنيا الا بالاسم، واعلم ان السكر من انواع شتى. فمن شراب الغفلة والعصيان. ومن حب الدنيا وشهواتها. ومن التنعم. ومن لذة العلم. ومن الشوق. ومن المحبة. من الوصال. ومن المعرفة. من المحبية والمحبوبية كما قال بعضهم
لى سكرتان وللندمان واحدة شىء خصصت به من بينهم وحدى   
{ ولكن عذاب الله شديد فغشيهم هوله وطير عقولهم وسلب تمييزهم وللعذاب نيران نار جهنم ونار القطيعة والفراق ونار الاشتياق ونار الفناء في النار والبقاء بالنار كقوله تعالى

السابقالتالي
2