الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ }

{ بل قالوا اضغاث احلام } لاختلاطها كما فى القاموس. والحلم بضم الحاء وسكون اللام الرؤيا وضم اللام ايضا لغة فيه فالاحلام بمعنى المنامات سواء كانت باطلة أو حقة واضيفت الأضغاث بمعنى الأباطيل إليها على طريق اضافة الخاص الى العام اضافة بمعنى من وقد تخص الرؤيا بالمنام الحق والحلم بالمنام الباطل كما فى قوله عليه السلام " الرؤيا من الله والحلم من الشيطان " ثم ان هذا اضراب من جهته تعالى وانتقال من حكاية قول الى آخر اى لم يقتصروا على ان يقولا فى حقه عليه السلامهل هذا الا بشر } وفى حق ما ظهر على يده من القرآن الكريم انه سحر بل قالوا تخاليط احلام اى اخلاط احلام كاذبة رآها فى المنام { بل افتراه } من تلقاء نفسه من غير ان يكون له اصل او شبه اصل ثم قالوا { بل هو شاعر } وما اتى به شعر يخيل الى السامع معانى لا حقيقة لها وهذا شأن المبطل المحجوج متحير لا يزال يتردد بين باطل وابطل فالاضراب الاول كما ترى من جهته تعالى والثانى والثالث من قبلهم. قال الراغب شعرت اصبت الشعر ومنه استعير شعرت كذا اى علمت علما فى الدقة كاصابة الشعر قيل وسمى الشاعر لفطنته ودقة معرفته فالشعر فى الاصل اسم للعلم الدقيق فى قولهم ليت شعرى وصار فى التعارف اسما للموزون المقفى من الكلام والشاعر للمختص بصناعته وقوله تعالى حكاية عن الكفار { بل هو شاعر } كثير من المفسرين حملوه على انهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفى حتى تأولوا عليه ما جاء فى القرآن من كل لفظة تشبه الموزون من نحو قولهوجفان كالجواب وقدور راسيات } وقوله تعالىتبت يدا ابى لهب } وقال بعض المحققين لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به وذلك انه ظاهر من هذا الكلام انه ليس على اساليب الشعر ولا يخفى ذلك على الاغتام من العجم فضلا عن بلغاء العرب وانما رموه بالكذب فان الشعر يعبر به عن الكذب والشاعر الكاذب حتى سمعوا الادلة الكاذبة بالشعر ولكون الشعر مقر الكذب. قيل احسن الشعر أكذبه. وقال بعض الحكماء لم ير متدين صادق اللهجة مفلقا فى شعره
در قيامت نرسد شعر بفرياد كسى كرسراسر سخنش حكمت يونان كردد   
واما قول صاحب المثنوى
از كرامات بلند اوليا اولا شعرست وآخر كيميا   
فالمراد به القدرة على انساء الكلام الموزون وليس من مقتصاها التكلم { فليأتنا بآية } جواب شرط محذوف يفصح عنه السياق كأنه قيل وان لم يكن كما قلنا بل كان رسولا من الله فليأتنا بآية جليلة { كما ارسل الاولون } اى مثل الآية التى ارسل بها الاولون كاليد والعصا واحياء الموتى والناقة ونظائرها حتى نؤمن به فما موصولة وعائدها محذوف ومحل الكافر الجر على انها صفة الآية