الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ }

{ لاهية قلوبهم } حال اخرى يقال لها عنه اذا ذهل وغفل. قال الراغب اللهو ما يشغل الانسان عما يعنيه ويهمه يقال لهوت بكذا ولهيت بكذا اشتغلت عنه بلهو وألهاه عن كذا شغله عما هواهم. والمعنى ما يأتيهم ذكر من ربهم محدث فى حال من الاحوال الاحال استماعهم اياه لاعبين مستهزئين به لاهين عنه متشاغلين عن التأمل فيه لتناهى غفلتهم وفرط اعراضهم عن النظر فى الامور والتفكر فى العواقب قدم اللعب على اللهو تنبيها على انهم انما قدموا على اللعب لذهولهم عن الحق فاللعب الذى هو السخرية والاستهزآء نتيجة اللهو الذى هو الغفلة عن الحق والذهول عن التفكر. قال بعضهم القلب اللاهى هو المشغول باحوال الدنيا والغافل عن احوال العقبى. قال الواسطى لاهية عن المصادر والموارد والمبدأ والمنتهى
يا الهى بحود نامتناهى ازسوا دوركن دل لاهى   
{ واسروا النجوى } النجوى فى الاصل بالفارسية راز كفتن ثم جعل اسما من التناجى بمعنى القول الواقع بطريق المسارة اى السر بين اثنين فصاعدا يقال تناجى القوم اذا تسارّوا وتكالموا سرا عن غيرهم. قال الراغب ناجيته ساررته واصله ارتحلوا به فى نجوه من الارض اى المرتفع المنفصل بارتفاعه عما حوله ومعنى اسرارها مع انها لا تكون الا سرا انهم بالغوا فى اخفائها { الذين ظلموا } على انفسهم بالشرك والمعصية بدل من واو اسروا منبئ عن كونهم موصوفين بالظلم الفاحش فيما اسروا به كأنه قيل فماذا قالوا فى نجواهم فقيل قالوا { هل هذا } هل بمعنى النفى اى ما محمد { الا بشر مثلكم } لحم ودم مساو لكم فى المأكل والمشرب وكل ما يحتاج اليه البشر والموت مقصور على البشرية ليس له وصف الرسالة التى يدعيها والبشر ظاهر الجلد والادمة باطنة عبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التى عليها الصوف والشعر والوبر واستوى فى لفظ البشر الواحد والجمع وخص فى القرآن كل موضع عبر عن الانسان جثته وظاهره يلفظ البشر { أفتأتون السحر } الهمزة للانكار والفاء للعطف على مقدر { وانتم تبصرون } حال من فاعل تأتون مقرره للانكار ومؤكدة للاستبعاد اى ما هذا الا من حسنكم وما اتى به يعنون القرآن سحر أتعلمون ذلك فتأتونه وتحضرونه على وجه الاذعان والقبول وانتم تعاينون انه سحر قالوه لاعتقادهم ان الرسول لا يكون الا ملكا وان كل ما يظهر على يد البشر من الخوارق من قبيل السحر اى الخداع والتخييلات التى لا حقيقة لها. قال الامام طعنوا فى نبوته بانه بشر وما اتى به سحر وهو فاسد اذ صحة النبوة تعرف من المعجزة لا من الصورة ولو بعث الملك اليهم لم يعلموا نبوته بصورته بل بالمعجزة فاذا ظهر على يد بشر وجب قبوله
لوح صورت بشوى ومعنى جو كه صور برك شد معانى بو   
وانما اسروا ذلك لما كان هذا الحديث منهم على طريق التشاور فيما بينهم والتحاور فى طلب الطريق الى هدم امر النبوة واطفاء الدين وعادة المتشاورين ان يجتهدوا فى كتمان سرهم عن اعدائهم ما امكن ومنه قول معاذ رفعه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم " استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان فان كل ذى نعمة محسود