الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ }

{ لا يسئل } الله تعالى { عما يفعل } ويحكم { وهم } اى العباد { يسئلون } عما يفعلون نقيرا وقطميرا والسؤال استدعاء معرفة او ما يؤدى الى المعرفة وجوابه على اللسان واليد خليفة له بالكتابة والاشارة. فان قيل ما معنى السؤال بالنسبة الى الله تعالى. قلنا تعريف للقوم وتبكيتهم لا تعريف لله تعالى فانه علام الغيوب فالسؤال كما يكون للاستعلام يكون للتبكيت وانما لا يسأل سؤال انكار ويجوز السؤال عنه على سبيل الاستكشاف والبيان كقولهقال رب أنى يكون لى غلام } وعلى سبيل التضرع والحاجة كقوله تعالى حكاية عن الكافررب لم حشرتنى اعمى وقد كنت بصيرا } قال فى بحر العلوم انما لا يسأل عما يفعل لانه رب مالك علام لا نهاية لعلمه وكل من سواه مربوب مملوك جاهل لا يعلم شيئا الا بتعليم فليس للمملوك الجاهل ان يتعرض على سيده العليم بكل شئ فيما يفعل ويقول لم فعلت وهلا فعلت مثلا وهم يسألون لانهم مملوكون مستعبدون خطاؤون فيقال لهم فى كل شئ فعلوه لم فعلتم. واعلم ان الاعتراض شؤم يسخط الرب ويوجب عقابه وسخطه قال الحافظ
مزن زجون وجرادكم كه بنده مقبل قبول كردبجان هرسخن كه جانان كفت   
وبشؤم الاعتراض على الله فى فعله لعن ابليس وكان من مردة الكافرين فانه تعالى لما امره بالسجود قالأاسجد لمن خلقت طينا } وبشؤم الاعتراض فى شأن بنى آدم اصاب الملكين هاروت وماروت ما اصابهم فهذا بالاعتراض فى شأن المخلوق فكيف بالاعتراض فى شأن الخالق وبالاعتراض على الله والتعمق فى الخوض فى صفاته هلك الهالكون من اهل الاهواء وارباب الآراء تعمقوا فيما لم يتعمق فيه اصحاب رسول الله والتابعون ومن تبعهم من اهل الحق وتكلفوا الخوض فيه ووقعوا فى الشبهات فضلوا واضلوا ولو لم يتعمقوا لسلموا وقد اتفقت كلمة اهل الحق على ان الاعتراض على الله الملك الحق فى فعله وما يحدثه فى خلقه كفر فلا يجترئ عليه الا كافر وجاهل ضال. وكذا الاعتراض على النبى عليه السلام فانه انما يقول عن الحق لا عن الهوى فالاعتراض عليه اعتراض على الحق وفيه الهلاك. قال ابو هريرة رضى الله عنه سمعت رسول الله يقول " يا ايها الناس كتب عليكم الحج " فقام عكاشة بن محصر فقال أكل عام يا رسول الله فقال " لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ثم تركتموها لضللتم اسكتوا عنى كما سكت عنكم فانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على انبيائهم " فانزل الله تعالى { يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن اشياء ان تبد لكم تسؤكم } " الآية. ومن اشد التشنيع واقبح الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روى عن بعض الكبار انه قال كنت فى مجلس بعض الغافلين فتكلم الى ان قال لا مخلص لاحد من الهوى ولو كان فلانا عنى به النبى عليه السلام من حيث قالحبب الى من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وقرة عينى فى الصلاة فقلت أما تستحى من الله تعالى فانه ما قال احببت بل قال حبب فكيف يلام العبد من عند الله ثم حصل لى هم وغم فرأيت النبى عليه السلام فى المنام فقال لا تغتم فقد كفيناك امره ثم سمعت انه قتل.

السابقالتالي
2