الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ }

{ كلوا } اى وقلنالكم كلوا { من طيبات ما رزقناكم } اى من لذائذه او حلالاته. قال الراغب اصل الطيب ما تستلذه الحواس والنفس والطعام الطيب فى الشرع ما كان متناولا من حيث ما يجوز وبقدر ما يجوز ومن المكان الذى يجوز فانه متى كان كذلك كان طيبا عاجلا وآجلا لا يستوخم والا فانه وان كان طيبا عاجلا لم يطب آجلا { ولا تطغوا فيه } الطغيان تجاوز الحد فى العصيان اى ولا تتجاوزا الحد فيما رزقناكم بالاخلال بشكره وبالسرف والبطر والمنع من المستحق والادخار منه لاكثر من يوم وليلة { فيحل عليكم غضبى } جواب للنهى اى فيلزمكم عقوبتى وتجب لكم من حل الدين يحل بالكسر اذا وجب اداؤه واما يحل بالضم فهو بمعنى الحلول اى النزول والغضب ثوران دم القلب عند ارادة الانتقام واذا وصف الله تعالى به فالمراد الانتقام دون غيره وفى المثنوى
شكر منعم واجب امد درخرد ورنه بكشايد درخشم ابدا   
ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى تردى وهلك واصله ان يسقط من جبل فيهلك ومن بلاغات الزمخشرى من ارسل نفسه مع الهوى فقد هوى فى ابعد الهوى. وفى التأويلات النجمية ونزلنا عليهم المن من صفاتنا والسلوى سلوى اخلاقنا كلوا من طيبات ما رزقناكم اى اتصفوا بطيبات صفاتنا وتخلقوا بكرائم اخلاقنا التى شرفناكم بها اى لو لم تكن العناية الربانية لما نجا الروح والقلب وصفاتهما من شر فرعون النفس وصفاتها ولولا التأييد الالهى لما اتصفوا بصفات الله ولا تخلقوا باخلاقه ثم قال ولا تطغوا فيه اى اذا استغنيتم بصفاتى واخلاقى عن صفاتكم واخلاقكم فلا تطغوا بان تدعوا العبودية وتدعوا الربوبية وتسموا باسمى بان اتصفتم بصفاتى كما قال بعضهم انا الحق وبعضهم سبحانى وما اشبه هذه الاحوال مما يتولد من طبيعة الانسانية فان الانسان ليطغى ان رآه استغنى وان طغيان هذه الطائفة بمثل هذه المقالات وان كانت هى من احوالهم لان الحالات لا تصلح للمقامات وهى موجبة للغضب كما قال تعالىفيحل عليكم غضبى ومن يحلل عليه غضبى فقد هوى } اى نجعل كل معاملاته فى العبودية هباء منثورا ولهذا الوعيد امر الله عباده فى الاستهداء بقولهاهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم } اى اهدنا هداية غير من انعمت عليه بتوفيق الطاعة والعبودية ثم ابتليته بطغيان يحل عليه غضبك.