الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ بِئْسَمَا ٱشْتَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَآ أنَزَلَ ٱللَّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآءُو بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }

{ بئسما } ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس اى بئس شيأ { اشتروا } صفة واشترى بمعنى باع وابتاع والمراد هنا الاول { به } اى بذلك الشىء { أنفسهم } المراد الايمان وانما وضع الانفس موضع الايمان ايذانا بانها انما خلقت للعلم والعمل به المعبر عنه بالايمان ولما بدلوا الايمان بالكفر كانوا كأنهم بدلوا الانفس به والمخصوص بالذم قوله تعالى { أن يكفروا بما أنزل الله } اى بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته { بغيا } علة لان يكفروا اى حسدا وطلبا لما ليس لهم كما ان الحاسد يطلب ما ليس له لنفسه مما للمحسود من جاه او منزلة او خصلة حميدة والباغى هو الظالم الذى يفعل ذلك عن حسده والمعنى بئس شيأ باعوا به ايمانهم كفرهم المعلل بالبغى الكائن لاجل { أن ينزل الله } او حسدا على ان فان الحسد يستعمل بعلى { من فضله } الذى هو الوحى { على من يشاء } اى يشاؤه ويصطفيه { من عباده } المستأهلين لتحمل اعباء الرسالة والمراد ههنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت اليهود يعتقدون نبى آخر الزمان ويتمنون خروجه وهم يظنون انه من ولد اسحق فلما ظهر انه من ولد اسماعيل حسدوه وكرهوا ان يخرج الامر من بنى اسرائيل فيكون لغيرهم { فباؤا } اى رجعوا ملتبسين { بغضب } كائن { على غضب } اى صاروا مستحقين لغضب مترادف ولعنة اثر لعنة حسبما اقترفوا من كفر على كفر فانهم كفروا بنبى الحق وبغوا عليه { وللكافرين } اى لهم والاظهار فى موضع الاضمار للاشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم { عذاب مهين } يراد به اهانتهم واذلالهم لما ان كفرهم بما انزل الله كان مبنيا على الحسد المبنى على طمع النزول عليهم وادعاء الفضل على الناس والاستهانة بمن انزل الله عليه صلى الله عليه وسلم ودل ان عذاب المؤمنين تأديب وتطهير وعذاب الكفار اهانة وتشديد وان المراتب الدنيوية والاخروية كلها من فيض الله تعالى وفضله فليس لاحد ان يعترض عليه ويحسده على الالطاف الآلهية فان الكمالات مثل النبوة والولاية ليست من الامور الاكتسابية التى يصل اليها العبد بجهد كثير وكمال اهتمام اما النبوة اى البعثة فاختصاص آلهى حاصل لعينه الثابتة من التجلى الموجب للاعيان فى العلم وهو الفيض الاقدس واما الولاية فهو ايضا اختصاص آلهى غير كسبى بل جميع المقامات كذلك اختصاصية عطائية غير كسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الاقدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه واسبابه يوهم المحجوب فيطن انه كسبى بالتعمل وليس كذلك فى الحقيقة فلا معنى للحسد لكن الجاهلين بحقيقة الحال يطيلون ألسنتهم بالقيل والقال ولا ضير فانه رفع لدرجات العبد واقتضت سنة الله ان يشفع اهل الجمال باهل الجلال ليظهر الكمال قال الحافظ

السابقالتالي
2