الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يُخَادِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }

{ يخادعون الله } بيان ليقول فى الآية السابقة وتوبيخ لما هو غرضهم مما يقولون او استئناف وقع جوابا عن سؤال ينساق اليه الذهن كانه قيل مالهم يقولون ذلك وهم غير مؤمنين فقيل يخادعون الخ اى يخدعون وانما اخرج فى زنة فاعل للمبالغة وخداعهم مع الله سبحانه ليس على ظاهره لانه لا تخفى عليه خافية ولانهم لم يقصدوا خديعته بل المراد ما مخادعة رسوله على حذف المضاف او على ان معاملة الرسول معاملة الله من حيث انه خليفته فى ارضه والناطق عنه باوامره ونواهيه مع عباده ففيه رفع درجة النبى صلى الله عليه وسلم حيث جعل خداعه خداعه واما ان صورة صنعهم مع الله من اظهار الايمان واستبطان الكفر وصنع الله معهم من اجراء احكام المسلمين عليهم وهم عنده تعالى اخبث الكفار واهل الدرك الاسفل من النار استدراجا لهم وامتثال الرسول والمؤمنين امر الله تعالى فى اخفاء حالهم واجراء حكم الاسلام عليهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنع المخادعين فتكون المخادعة بين الاثنين والخدع ان يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب او يوهمه المساعدة على ما يريد هو به ليغتر بذلك فينجو منه بسهولة من قولهم ضب خادع وخدع وهو الذى اذا امر الحارش يده على باب حجره يوهمه الاقبال عليه فيخرج من بابه الآخر وكلا المعنيين مناسب للمقام فانهم كانوا يريدون بما صنعوا ان يطلعوا على اسرار المؤمنين فيذيعوها الى منابذيهم اى يشيعوها الى مخالفيهم واعدائهم وان يدفعوا عن انفسهم ما يصيب سائر الكفرة من القتل والنهب والاسر وان ينالوا به نظم مصالح الدنيا جميعا كأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين من الاعطاء { والذين آمنوا } اى يخادعون المؤمنين بقولهم اذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين وهو عطف على الاول ويجوز حمله على الحقيقة فى حقهم فانه وسعهم كذا فى التيسير { وما يخدعون الا انفسهم } النفس ذات الشئ حقيقته وقد يقال للروح لان النفس الحى به وللقلب لانه محل الروح او متعلقة وللدم لان قوامها به وللماء ايضا لشدة حاجتها اليه والمراد هنا هو المعنى الاول لان المقصود بيان ان ضرر مخادعتهم راجع اليهم لا يتخطاهم الى غيرهم اى يفعلون ما يفعلون والحال انهم ما يضرون بذلك الا انفسم فان دائرة فعلهم مقصورة عليهم ومن حافظ على الصيغة قال وما يعاملون تلك المعاملة الشبيهة بمعاملة المخادعين الا انفسهم لان ضررها لا يحقيق الا بهم ووبال خداعهم راجع اليهم لان الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على نفاقهم فيفضحون فى الدنيا ويستوجبون العقاب فى العقبى قال المولى جلال الدين قدس سره

السابقالتالي
2 3