الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

{ واذ استسقى موسى لقومه } نعمة اخرى كفروها اى اذكروا ايضا يا بنى اسرائيل اذ سأل موسى السقيا { لقومه } لاجل قومه وكان ذلك فى التيه حين استولى عليهم العطش الشديد فاستغاثوا بموسى فدعا ربه ان يسقيهم { فقلنا } له بالوحى ان { اضرب بعصاك } وكانت من آس الجنة طولها عشرة اذرع على طور موسى ولها شعبتان تتقدان فى الظلمة نورا حملها آدم من الجنة فتوارثها الانبياء حتى وصلت الى شعيب فاعطاها موسى { الحجر } اللام اما للعهد والاشارة الى معلوم فقد روى انه كان حجرا طوريا حمله معه وكان خفيفا مربعا كرأس الرجل له اربعة اوجه فى كل وجه ثلاث اعين او هو الحجر الذى فر بثوبه حين وضعه عليه ليغتسل وبرأه الله تعالى مما رموه به من الادرة فاشار اليه جبريل ان ارفعه فان لله فيه قدرة ولك فيه معجزة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان بنوا اسرائيل ينظر بعضهم الى سوءة بعض وكان موسى يغتسل وحده فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فجمع موسى باثره يقول ثوبى يا حجر حتى نظرت بنو اسرائيل الى سوءة موسى فقالوا والله ما بموسى ادرة ". وهى بالضم نفخة بالخصية واما للجنس اى اضرب الشىء الذى يقال له الحجر وهو الاظهر فى الحجة اى ابين على القدرة فان اخراج الماء بضرب العصا من جنس الحجر اى حجر كان ادل على ثبوت نبوة موسى عليه السلام من اخراجه من حجر معهود معين لاحتمال ان يذهب الوهم الى تلك الخاصية فى ذلك الحجر المعين كخاصية جذب الحديد فى حجر المغناطيس { فانفجرت } اى فضرب فالفاء متعلقة بمحذوف والانفجار الانسكاب والانبجاس الترشح والرش فالرش اول ثم الانسكاب { منه } اى من ذلك الحجر { اثنتا عشرة عينا } ماء عذبا على عدد الاسباط لكل سبط عين وكان يضربه بعصاه اذا نزل فيتفجر ويضربه اذا ارتحل فييبس { قد علم كل اناس } اي كل سبط من الاسباط الاثنى عشر { مشربهم } اى عينهم الخاصة بهم او موضع شربهم لا يدخل سبط على غيره فى شربه والمشرب المصدر والمكان والحكمة فى ذلك ان الاسباط كانت بينهم عصبية ومباهاة وكل سبط منهم لا يتزوج من سبط آخر وكل سبط اراد تكثير نفسه فجعل الله لكل سبط منهم نهرا على حدة ليستقوا منها ويسقوا دوابهم لكيلا يقع بينهم جدال ومخاصمة وكان ينبع من كل وجه من الحجر ثلاث اعين تسيل كل عين فى جدول الى سبط وكانوا ستمائة الف وسعة المعسكر اثنى عشر ميلا ثم ان الله تعالى قد كان قادرا على تفجير الماء وفلق البحر من غير ضرب لكن اراد ان يربط المسببات بالاسباب حكمة منه للعباد فى وصولهم الى المراد وليترتب على ذلك ثوابهم وعقابهم فى المعاد ومن انكر امثال هذه المعجزات فلغاية جهله بالله وقلة تدبره فى عجائب صنعه فانه لما امكن ان يكون من الاحجار ما يحلق الشعر ويمقر الخل ويجذب الحديد لم يمتنع ان يخلق الله حجرا يسخره لجذب الماء من تحت الارض او لجذب الهواء من الجوانب ويصيره ماء بقوة التبريد ونحو ذلك.

السابقالتالي
2 3 4