الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

{ وظللنا عليكم الغمام } هذا هو الانعام السابع اى جعلنا الغمام ظلة عليكم يا بنى اسرائيل وهذا جرى فى التيه بين مصر والشام فانهم حين خرجوا من مصر وجاوزوا البحر وقعوا فى صحراء لا ابنية فيها امرهم الله تعالى بدخول مدينة الجبارين وقتالهم فقبلوا فلما قربوا منها سمعوا بان اهلها جبارون اشداء قامة احدهم سبعمائة ذراع ونحوها فامتنعوا وقالوا لموسى اذهب انت وربك فقاتلان انا ههنا قاعدون فعاقبهم الله بان يتيهوا فى الارض اربعين سنة وكانت المفازة يعنى التيه اثنى عشر فرسخا فاصابهم حر شديد وجوع مفرط فشكوا الى موسى فرحمهم الله فانزل عليهم عمودا من نور يدلى لهم من السماء فيسير معهم بالليل يضيىء لهم مكان القمر اذا لم يكن قمر وارسل غماما ابيض رقيقا اطيب من غمام المطر يظللهم من حر الشمس فى النهار وسمى السحاب غماما لانه يغم السماء اى يسترها والغم حزن يستر القلب ثم سألوا موسى الطعام فدعا ربه فاستجاب له وهو قوله تعالى { وانزلنا عليكم المن } اى الترنجبين بفتح الراء وتسكين النون كان ابيض مثل الثلج كالشهد المعجون بالسمن او المن جميع ما من الله به على عباده من غير تعب ولا زرع ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين " اى مما من الله على عباده والظاهر ان مجرد مائه شفاء لانه عليه السلام اطلق ولم يذكر الخلط ولما روى عن ابى هريرة انه قال عصرت ثلاثة اكمؤ وجعلت ماءها فى قارورة فكحلت منه جارية لى فبرئت باذن الله تعالى. وقال النووى رأينا فى زماننا اعمى كحل عينه بمائها مجردا فشفى وعاده اليه بصره ثم لما ملوا من اكله قالوا يا موسى قتلنا هذا المن بحلاوته فادع لنا ربك ان يطعمنا اللحم فانزل الله عليهم السلوى وذلك قوله { والسلوى } هو السمانى كانت تحشره عليهم الريح الجنوب وكانت الريح تقطع حلوقها وتشق بطونها وتمعط شعورها وكانت الشمس تنضجها فكانوا يأكلونها مع المن واكثر المفسرين على انهم يأخذونها فيذبحونها فكان ينزل عليهم المن نزول الثلج من طلوع الفجر الى طلوع الشمس وتأتيهم السلوى فيأخذ كل انسان منهم كفايته الى الغد الا يوم الجمعة يأخذ ليومين لانه لم يكن ينزل يوم السبت لانه كان يوم عبادة فان اخذ اكثر من ذلك دود وفسد { كلوا } اى قلنا لهم كلوا { من طيبات } حلالات { ما رزقناكم } من المن والسلوى ولا ترفعوا منه شيأ ادخارا ولا تعصوا امرى فرفعوا وجعلوا اللحم قديدا مخافة ان ينفد ولو لم يرفعوا لدام عليهم ذلك والطيب ما لا تعافه طبعا ولا تكرهه شرعا { وما ظلمونا } اى فظلموا بان كفروا تلك النعمة الجليلة وادخروا بعدما نهوا عنه وما ظلمونا اى ما بخسوا بحقنا { ولكن كانوا انفسهم يظلمون } باستيجابهم عذابى وقطع مادة الرزق الذى كان ينزل عليهم بلا مؤونة فى الدنيا ولا حساب فى العقبى فرفعنا ذلك عنهم لعدم توكلهم علينا قال فى المثنوى

السابقالتالي
2