الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ و } اذكروا يا بنى اسرائيل هذا هو الانعام الخامس { اذ قال موسى } وقت قوله { لقومه } الذين عبدوا العجل { يا قوم } اى يا قومى والاضافة للشفقة { انكم ظلمتم انفسكم } اى ضررتم انفسكم بايجاب العقوبة عليها ونقصتم الثواب الواجب بالاقامة على عهد موسى { باتخاذكم العجل } اى معبودا قالوا اي شىء نصنع قال { فتوبوا } اى فاعزموا على التوبة والفاء للسببية لان الظلم سبب للتوبة { الى بارئكم } اى من خلقكم بريئا من العيوب والنقصان والتفاوت وميز بعضكم من بعض بصور وهيآت مختلفة والتعرض لعنوان البارئية للارشاد بانهم بلغوا من الجهالة اقصاها ومن الغباوة منتهاها حيث تركوا عبادة العليم الحكيم الذى خلقهم بلطيف حمته بريئا من التفاوت والتنافر الى عبادة البقر الذى هو مثل فى الغباوة وان من لم يعرف حقوق منعمه حقيق بان تسترد هى منه ولذلك امروا بالقتل وفك التركيب وقالوا كيف نتوب قال { فاقتلوا انفسكم } اى ليقتل البريىء منكم المجرم وانما قال انفسكم لان المؤمنين اخوة واخو الرجل كانه نفسه قال تعالىولا تلمزوا انفسكم } الحجرات 11 يعنى ذكر قتل الانفس واراد به قتل الاخوان وهذا كما قال ولا تلمزوا انفسكم اى ولا تغتابوا اخوانكم من المسلمين كذا فى التيسير وتفسير ابى الليث * والفاء للتعقيب وتوبتهم هي قتلهم اى فاعزموا على التوبة فاقتلوا انفكسم كذا فى الكشاف. وقال فى التفسير الكبير وليس المراد تفسير التوبة بقتل النفس بل بيان ان توبتهم لا تتم ولا تحصل الا بقتل النفس وانما كان كذلك لان الله تعالى اوحى الى موسى عليه السلام ان توبة المرتد لا تتم الا بالقتل { ذلكم } اى التوبة والقتل { خير لكم عند بارئكم } انفع لكم عند الله من الامتناع الذى هو اصرار وفيه عذاب لما ان القتل طهرة من الشرك ووصلة الى الحياة الابدية والبهجة السرمدية { فتاب عليكم } خطاب منه تعالى اى ففعلتم ما امرتم به فتاب عليكم بارئكم اى قبل توبتكم وتجاوز عنكم وانما لم يقل فتاب عليهم على ان الضمير للقوم لما ان ذلك نعمة اريد التذكير بها للمخاطبين لا لاسلافهم * فان قلت انه تعالى امر بالقتل والقتل لا يكون نعمة. قلت ان الله نبههم على عظيم ذنبهم ثم نبههم على ما به يتخلصون من ذلك العظيم وذلك من النعم فى الدين { انه } الله تعالى { هو التواب } اى الذى يكثر توفيق المذنبين للتوبة ويبالغ فى قبولها منهم { الرحيم } كثير الرحمة للمطيعين امره حيث جعل القتل كفارة لذنوبهم قال السعدى
فروماندكانرا برحمت قريب تضرع كنانرا بدعوت مجيب   
روى انهم لما امرهم موسى بالقتل قالوا نصبر لامر الله فجلسوا بالافنية محتبين مذعنين وقيل لهم من حل حبوته اومد طرفه الى قاتله او اتقاه بيد او رجل فهو ملعون مردود توبته واصلت القوم عليهم الحناجر اى حملوا عليهم الخناجر ورفعوا وضربوهم بها وكان الرجل يرى ابنه واباه واخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضى لامر الله قالوا يا موسى كيف نفعل فارسل الله ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضا فكانوا يقتلونهم الى المساء فلما كثر القتل دعا موسى وهارون وبكيا وتضرعا وقالا يا رب هلكت بنوا اسرائيل البقية البقية فكشف الله السحابة ونزلت التوبة وامرهم ان يكفوا عن القتل فقتل منهم سبعون الفا فكان من قتل شهيدا ومن بقى مغفورة ذنوبه واوحى الى موسى عليه السلام انى ادخل القاتل والمقتول الجنة هذا على رواية ان القاتل من المجرمين على ان معنى قوله فاقتلوا انفسكم ليقتل بعض المجرمين بعضا فالقاتل هو الذى بقى من المجرمين بعد نزول امر الكف عن القتل والا فالقاتل على الرواية الاخرى هو البريىء كما سبق في تفسير الآية.

السابقالتالي
2 3