الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

{ أتأمرون الناس } الخطاب لليهود والأمر القول لمن دونك والمراد بالناس سفلتهم { بالبر } أي الاعتراف بالنبي واتباع الأدلة وهو التوسع في الخير من البر الذي هو الفضاء الواسع والهمزة تقرير مع توبيخ وتعجيب { وتنسون أنفسكم } وتتركونها من البر كالمنسيات لان اصل السهو والنسيان الترك الا ان السهو يكون لما علمه الانسان ولما لم يعلمه والنسيان لما عزب بعد حضوره كانوا يقولون لفقرائهم الذين لا مطمع لهم فيهم بالسر آمنوا بمحمد فانه حق وكانوا يقولون للاغنياء ترى فيه بعض علامات نبي آخر الزمان دون بعض فانتظروا الاستيفاء لما ينالون منهم ويؤخرون امور انفسهم فلا يتبعونه في الحال مع عزيمتهم ان يتبعوه يوما وكذا حال من تمادى في العصيان وهو يقول اتوب عند الكبر والشيب وربما يفجأه الموت فيبقى في حسرة الفوت قال الحافظ
ديدى آن قهقهه كبك خرامان حافظ كه زسر نجه شاهين قضا غافل بود   
{ وأنتم تتلون الكتاب } اى والحال انكم تتلون التوراة الناطقة بنعوته صلى الله تعالى عليه وسلم الآمرة بالايمان به { أفلا تعقلون } اي ليس لكم عقل تعرفون به انه قبيح منكم عدم اصلاح انفسكم والاشتغال بغيركم. والعقل في الاصل المنع والامساك ومنه العقال الذي يشد به وظيف البعير الى ذراعيه لحبسه عن الحراك سمى به النور الروحانى الذى به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية لانه يحبس عن تعاطى ما يقبح ويعقل على ما يحسن ومحله الدماغ لان الدماغ محل الحس وعند البعض محله القلب لان القلب معدن الحياة ومادة الحواس وعند البعض هو نور في بدن الآدمى. ثم هذا التوبيخ ليس على امر الناس بالبر بل لشرك العمل به فمدار الانكار والتوبيخ هي الجملة المعطوفة وهى جملة تنسون انفسكم دون ما عطفت هي عليه وهي اتأمرون الناس بالبر ولا يستقيم قول من لا يجوز الامر بالمعروف لمن لا يعمل به لهذه الآية بل يجب العمل به ويجب الامر به وقد قال عليه السلام " مروا بالمعروف وان لم تعملوا به وانهوا عن المنكر وان لم تنتهوا عنه " وهذا لانه اذا امر به مع انه لا يعمل به فقد ترك واجبا واذا لم يأمر به قد ترك واجبين فالامر بالحسن حسن وان لم يعمل به ولكن قلما نفعت موعظة من لم يعظ نفسه ومن امر بخير فليكن اشد الناس مسارعة اليه ومن نهى عن شيء فليكن اشد الناس انتهاء عنه. وهذه الآية كما ترى ناعية على من يعظ غيره ولا يعظ نفسه سوء صنيعه وعدم تأثره وان فعله فعل الجاهل بالشرع او الاحمق الخالى عن العقل والمراد به حث الواعظ على تزكية النفس والاقبال عليها بالتكميل لتقوم بالحق وتقيم غيرها لامنع الفاسق من الوعظ فان الاخلال باحد الامرين المأمور بهما لا يوجب الاخلال بالآخر ـ يروى ـ انه كان عالم من العلماء مؤثر الكلام قوى التصرف فى القلوب وكان كثيرا ما يموت من اهل مجلسه واحدا واثنان من شدة تأثير وعظه وكان في بلده عجوز لها ابن صالح رقيق القلب سريع الإِنعفال وكانت تحترز عليه وتمنعه من حضور مجلس الواعظ فحضره يوما على حين غفلة منها فوقع من امر الله تعالى ما وقع ثم ان العجوز لقيت الواعظ يوما في الطريق فقالت

السابقالتالي
2