الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }

{ والذين يؤمنون } نزلت فى مؤمنى اهل الكتاب وما قبله الى قوله تعالى { ومما رزقناهم ينفقون } نزلت فى مؤمنى العرب { بما انزل اليك } هو القرآن باسره والشريعة عن آخرها والتعبير عن انزاله بالماضى مع كون بعضه مترقبا حينئذ لتغليب المحقق على المقدر او لتنزيل ما فى شرف الوقوع لتحققه منزلة الواقع كما فى قوله تعالىإنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى } الأَحقاف 30 مع ان الجن ما كانوا سمعوا الكتاب جميعا ولا كان الجمع اذ ذاك نازلا. وفى الكواشى لان القرآن شئ واحد فى الحكم ولان المؤمن ببعضه مؤمن بكله انتهى ثم معنى ما انزل اليك هو القرآن الذى يتلى والوحى الذى لا يتلى فالمتلو هو هذه الصور والآيات وغير المتلو ما بين النبى عليه السلام من اعداد الركعات ونصب الزكوات وحدود الجنايات قال تعالىوما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى } النجم 3-4 ولانزال فى هذا الآية بمعنى الوحى ويكون بمعنى الاعلاء وهو النقل من الاسفل الى الاعلى وان حمل الانزال الذى هو من العلو الى السفل فمعناه انزال جبريل لتبليغه كما قال تعالىنزل به الروح الأمين } الشعراء 193 يعنى ان الانزال نقل الشئ من اعلى الى اسفل وهو انما يلحق المعانى بتوسط لحقوقه الذوات الحاملة لها فنزول ما عدا الصحف من الكتب الآلهية الى الرسل عليهم السلام والله اعلم بان يتلقاها الملك من جنابه عز وجل تلقيا روحانيا او يحفظها من اللوح المحفوظ فينزل بها الى الرسل فيلقيها عليهم { وما انزل من قبلك } التوراة والانجيل وسائر الكتب السالفة والايمان بالكل جملة فرض عين وبالقرآن تفصيلا من حيث انا متعبدون بتفاصيله فرض كفاية فان فى وجوبه على الكل عينا حرجا بينا واخلالا بامر المعاش. قال فى التيسير الايمان بكل الكتب مع تنافى احكامها على وجهين احدهما التصديق ان كلها من عند الله والثانى الايمان بما لم ينسخ من احكامها { وبالاخرة } تأنيث الآخر الذي يقابل الاول وهو فى المعدودات اسم للفرد اللاحق وهى صفة الدار بدليل قوله تعالىتلك الدار الآخرة } القصص 83 وهى من الصفات الغالبة وكذا الدنيا والآخرة بفتح الخاء الذى يلى الاول وسميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا { هم يوقنون } الايقان اتقان العلم بالشئ بنفى الشك والشبه عنه نظرا واستدلالا ولذلك لا يسمى علمه تعالى يقينا وكذا العلوم الضرورية اى يعلمون علما قطعيا مزيحا لما كان اهل الكتاب عليه من الشكوك والاوهام التى من جملتها زعمهم ان الجنة لا يدخلها الا من كان هودا او نصارى وان النار لم تمسهم الا اياما معدودات واختلافهم فى ان نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا اولا وهل هو دائم اولا فقال فرقة منهم يجرى حالهم فى التلذذ بالمطاعم والمشارب والمناكح على حسب مجراها فى الدنيا وقال آخرون ان ذلك انما احتيج اليه فى هذه الدار من اجل نماء الاجسام ولمكان التوالد والتناسل واهل الجنة مستغنون عنه فلا يتلذذون الا بالنسيم والارواح العبقة والسماع اللذيذ والفرح والسرور وبناء يوقنون على الضمير تعريض بمن عداهم من اهل الكتاب وبما كانوا عليه من اثبات امر الآخرة على خلاف حقيقته فان اعتقادهم فى امور الآخرة بمعزل من الصحة فضلا عن الوصول الى مرتبة اليقين فدل التقديم على التخصيص بان ايقان من آمن بما انزل اليك وما انزل من قبلك مقصور على الآخرة الحقيقية لا يتجاوز الى ما اثبته الكفار بالاقرار من اهل الكتاب * قال ابو الليث رحمه الله فى تفسيره اليقين على ثلاثة اوجه يقين عيان ويقين خبر ويقين دلالة فاما يقين العيان فهو انه اذا رأى شيأ زال الشك عنه فى ذلك الشئ واما يقين الدلالة فهو ان يرى الرجل دخانا ارتفع من موضع يعلم باليقين ان هناك نارا وان لم يرها واما يقين الخبر فهو ان الرجل يعلم باليقين ان فى الدنيا مدينة يقال لها بغداد وان لم ينته اليها فههنا يقين خبر ويقين دلالة لان الآخرة حق ولان الخبر يصير معاينة عند الرؤية انتهى كلامه.

السابقالتالي
2 3