الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

{ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } اخبار من الله تعالى وليس من كلام المؤمنين ـ روى ـ " انه لما نزل قوله تعالى { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } الآية اشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم فاتوه عليه السلام ثم بركوا على الركب فقالوا اى رسول الله كلفنا من الاعمال ما نطيق الصلاة والصيام والحج والجهاد وقد انزل اليك هذه الآية ولا نطيقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتريدون ان تقولوا كما قال اهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا " قالوا بل سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير فقرأها القوم فانزل الله تعالى { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } الى قوله تعالى { غفرانك ربنا وإليك المصير } ". فمسئولهم الغفران المعلق بمشيئته تعالى فى قوله تعالىفيغفر لمن يشاء } البقرة 284. ثم انزل الله تعالى { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } تهوينا للخطب عليهم ببيان ان المراد بما فى انفسهم ما عزموا عليه من السوء خاصة لا ما يعم الخواطر التى لا يستطاع الاحتراز عنها والتكليف الزام ما فيه كلفة ومشقته والوسع ما يسع الانسان ولا يضيق عليه اى سنته ان لا يكلف نفسا من النفوس الا ما يتسع فيه طوقها ويتيسر عليها دون مدى الطاقة والمجهود فضلا منه تعالى ورحمة لهذه الامة كقوله تعالىيريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } البقرة 185. وهذا يدل على عدم وقوع التكليف بالمحال لا على امتناعه. اما الاول فلانه لو كان وقع لزم الكذب فى كلامه تعالى تعالى عن ذلك علوا كبيرا. واما الثانى فلانه تعالى نفى مطلقا ولا يلزم منه نفى مقيد الذى هو الامتناع لان العام من حيث هو عام لا يدل على الخاص بوجه من الدلالات { لها } اى للنفس ثواب { ما كسبت } من الخير الذى كلفت فعله لا لغيرها استقلالا او اشتراكا ضرورة شمول كلمة ما لكل جزء من اجزاء مكسوبها { وعليها } لا على غيرها باحد الطريقين المذكورين عقاب { ما اكتسبت } من الشر الذى كلفت تركه وايراد الاكتساب فى جانب الشر لان الشر فيه اعتمال اى اجتهاد فى العمل فانه لما كان مشتهى النفس كان فيه جد وسعى بخلاف الخير وصيغة الافتعال للتكلف { ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا او اخطأنا } شروع فى حكاية بقية دعواتهم اثر بيان سر التكليف اى يقولون ربنا لا تؤاخذنا بما صدر عنا من الامور المؤدية الى النسيان او الخطأ من تفريط وقلة مبالاة ونحوهما مما يدخل تحت التكليف ودل هذا على جواز المؤاخذة فى النسيان والخطأ فان التحرز عنهما فى الجملة ممكن ولولا جواز المؤاخذة فى النسيان والخطأ لم يكن للسؤال معنى وخفف الله عن هذه الامة فرفع عنها المؤاخذة وقال النبى صلى الله عليه وسلم

السابقالتالي
2 3