الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

{ يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين } اى اذا داين بعضكم بعضا وعامله نسيئة معطيا وآخذا كما تقول بايعته اذا بعته او باعك وفائدة ذكر الدين دفع توهم كون التداين بمعنى المجازاة والتنبيه على تنوعه الى الحال والمؤجل وانه الباعث على الكتب وتعيين المرجع للضمير المنصوب المتصل بالامر وهو فاكتبوه { إلى أجل } متعلق بتداينتم { مسمى } بالايام او الاشهر او السنة وغيرها مما يفيد العلم ويرفع الجهالة لا بالحاصد والدياس وقدوم الحاج مما لا يرفعها { فاكتبوه } اى الدين باجله لانه اوثق وادفع للنزاع والجمهور على استحبابه { وليكتب بينكم كاتب } بيان لكيفية الكتابة المأمور بها وتعيين لمن يتولاها اثر الامر بها اجمالا وقوله بينكم للايذان بان الكاتب ينبغى ان يتوسط بين المتداينين ويكتب كلامهما ولا يكتفى بكلام احدهما { بالعدل } اى كاتب كائن بالعدل اى وليكن المتصدى للكتابة من شأنه ان يكتب بالتسوية من غير ميل الى احد الجانبين لا يزيد ولا ينقص وهو امر للمتداينين باختيار كاتب فقيه دين يجئ كتابه موثقا به معدلا بالشرع { ولا يأب كاتب } اى لا يمتنع احد من الكتاب { أن يكتب } كتاب الدين { كما علمه الله } على طريقة ما علمه الله من كتب الوثائق { فليكتب } تلك الكتابة المعلمة امر بها بعد النهى عن ابائها تأكيدا لها { وليملل الذى عليه الحق } الاملال هو الاملاء وهو القاء المعنى على الكاتب للكتابة اى ليكن المملل اى مورد المعنى على الكاتب من عليه الحق اى الدين لانه المشهود عليه فلا بد ان يكون هو المقر { وليتق الله ربه } جمع بين الاسم الجليل والنعت الجميل للمبالغة فى التحذير اى وليتق المملى دون الكاتب كما قيل لقوله تعالى { ولا يبخس منه } اى من الحق الذى يمليه على الكاتب { شيئا } فانه هو الذى يتوقع منه البخس خاصة. واما الكاتب فيتوقع منه الزيادة كما يتوقع منه البخس وانما شدد فى تكليف المملى حيث جمع فيه بين الامر بالاتقاء والنهى عن البخس لما فيه من الدواعى الى المنهى عنه فان الانسان مجبول على دفع الضرر عن نفسه وتخفيف ما فى ذمته { فإن كان الذى عليه الحق سفيها } ناقص العقل مبذرا مجازفا { أو ضعيفا } صبيا او شيخا مختلا { أو لا يستطيع أن يمل هو } اى غير مستطيع للاملاء بنفسه لخرس او عى او جهل او غير ذلك من العوارض { فليملل وليه } اى الذى يلى امره ويقوم مقامه من قيم او وكيل او مترجم { بالعدل } اى من غير نقص ولا زيادة { واستشهدوا شهيدين } اى اطلبوهما ليتحملا الشهادة على ما جرى بينكما من المداينة وتسميتهما شهيدين لتنزيل المشارف منزلة الكائن { من رجالكم } متعلق باستشهدوا اى من اهل دينكم يعنى من الاحرار البالغين المسلمين اذ الكلام فى معملاتهم فان خطابات الشرع لا تنتظم العبيد بطريق العبارة واما اذا كانت المداينة بين الكفرة او كان من عليه الحق كافرا فيجوز استشهاد الكافر عندنا { فإن لم يكونا } اى الشهيدان جميعا على طريقة نفى الشمول لا شمول النفى { رجلين } اما لاعوازهما او لسبب آخر من الاسباب { فرجل وامرأتان } اى فليشهد رجل وامرأتان وشهادة النساء مع الرجال فى الاموال جائزة بالاجماع دون الحدود والقصاص فلا بد فيهما من الرجال { ممن ترضون } متعلق بمحذوف وقع صفة لرجل وامرأتان اى كائنون مرضيين عندكم وتخصيصهم بالوصف المذكور مع تحقق اعتباره فى كل شهيد لقلة اتصاف النساء به { من الشهداء } متعلق بمحذوف وقع حالا من الضمير المحذوف الراجع الى الموصول اى ممن ترضونهم كائنين من بعض الشهداء لعلمكم بعدالتهم وثقتكم بهم وادراج النساء فى الشهداء بطريق التغليب { أن تضل إحداهما } اى احدى المرأتين الشاهدتين { فتذكر إحداهما الأخرى } وهذا تعليل لاعتبار العدد فى النساء والعلة فى الحقيقة هى التذكير ولكن الضلال لما كان سببا له نزل منزلته كما فى قولك اعددت السلاح ان يجيئ عدو فادفعه فالاعداد للدفع لا لمجيئ العدو لكن قدم عليه المجيئ لانه سببه كأنه قيل لاجل ان تذكر احداهما الاخرى ان ضلت الشهادة بأن نسيت ثم حث الشهداء على اقامة الشهادة بقوله { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } لاداء الشهادة او لتحملها وما مزيدة { ولا تسأموا } اى لا تملوا من كثرة مدايناتكم { أن تكتبوه } اى من ان تكتبوا الدين او الحق او الكتاب { صغيرا أو كبيرا } حال من الضمير اى حال كونه صغيرا او كبيرا اى قليلا او كثيرا او مجملا او مفصلا { إلى أجله } متعلق بمحذوف وقع حالا من الهاء فى تكتبوه اى مستقرا فى الذمة الى وقت حلوله الذى اقر به المديون { ذلكم } اى كتب الحق الى اجله ايها المؤمنون { أقسط } اى اعدل { عند الله } اى فى حكمه تعالى { وأقوم للشهادة } اى اثبت لها واعون على اقامتها { وأدنى ألاَّ ترتابوا } اى اقرب الى انتفاء ريبكم فى جنس الدين وقدره واجله وشهوده ونحو ذلك { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم } استثناء منقطع من الامر بالكتابة اى لكن وقت كون تداينكم او تجارتكم تجارة حاضرة بحضور البدلين تديرونها بينكم بتعاطيها يدا بيد { فليس عليكم جناح ألاَّ تكتبوها } اى فلا بأس بان لا تكتبوها لبعده عن التنازع والنسيان { وأشهدوا إذا تبايعتم } اى هذا التبايع او مطلقا لانه احوط.

السابقالتالي
2 3 4