الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }

{ إن تبدوا الصدقات فنعما هى } اى ان تظهروا الصدقات فنعم شىء ابداؤها بعد ان لم يكن رياء وسمعة وهذا فى الصدقات المفروضة واما فى صدقة التطوع فالاخفاء أفضل وهى التى اريد بقوله { وإن تخفوها } اى تعطوها خفية { وتؤتوها الفقراء } ولعل التصريح بايتائها الفقراء مع انه واجب فى الابداء ايضا لما ان الاخفاء مظنة الالتباس والاشتباه فان الغنى ربما يدعى الفقر ويقدم على قبول الصدقة سرا ولا يفعل ذلك عند الناس { فهو خير لكم } اى فالاخفاء خير لكم من الابداء وكل متقبل اذا صلحت النية وهذا فى التطوع ومن لم يعرف بالمال واما فى الواجب فالبعكس ليقتدى به كالصلاة المكتوبة فى الجماعة افضل والنافلة فى البيت ولنفى التهمة وسوء الظن حتى اذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان اخفاؤه افضل خوف الظلمة عن ابن عباس رضى الله عنهما صدقة السر فى التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها افضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا { و } الله { يكفر عنكم من سيئاتكم } من تبعيضية اى شيأ من سيآتكم لانه يمحو بعض الذنوب بالتصدق فى السر والعلانية او زائدة على رأى الاخفش فالمعنى يمحو عنكم جميع ذنوبكم { والله بما تعملون } من الاسرار والاعلان { خبير } فهو ترغيب فى الاسرار. ذكر الامام فى ان الاسرار والاخفاء فى صدقة التطوع افضل وجوها الاول انها ابعد من الرياء والسمعة قال صلى الله عليه وسلم " لا يقبل من مسمع ولا مرائى ولا منان ". والمتحدث فى صدقة لا شك انه يطلب السمعة والمعطى فى ملأ من الناس يطلب الرياء فالاخفاء والسكوت هو المخلص منهما. وقد بالغ قوم فى صدقة الاخفاء واجتهدوا ان لا يعرفهم احد فكان بعضهم يلقيها فى يد اعمى وبعضهم يلقيها فى طريق الفقير فى موضع جلوسه حيث يراه ولا يرى المعطى وبعضهم كان يشدها فى ثوب الفقير وهو نائم وبعضهم كان يوصل على يد غيره وثانيها انه اذا اخفى صدقته لم يحصل له من الناس شهرة وتمدح وتعظيم فكان ذلك اشق على النفس فوجب ان يكون اكثر ثوابا. وثالثها قوله صلى الله عليه وسلم " افضل الصدقة جهد المقل الى فقير فى سر ". وقال ايضا " ان العبد يعمل عملا ان فى السر فيكتبه الله تعالى سرا فان اظهره نقل من السر وكتب فى العلانية فان تحدث نقل من السر والعلانية وكتب فى الرياء ". وفى الحديث " سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل الا ظله امام عدل وشاب نشأ فى عبادة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمسجد اذا خرج منه حتى يعود اليه ورجلان تحابا فى الله اجتمعا على ذلك وتفرقا ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال انى اخاف الله ورجل تصدق بصدقة فاخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ".

السابقالتالي
2