الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ ومثل } نفقات { الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله } اى لطلب رضاه { وتثبيتا من أنفسهم } اى جعل بعض انفسهم ثابتا على الايمان والطاعة ليزول عنها رذيلة البخل وحب المال وامساكه والامتناع عن انفاقه فان النفس وان كانت مجبولة على حب المال واستثقال الطاعات البدنية الا انها ما عودتها تتعود قال صاحب البردة
والنفس كالطفل ان تهمله شب على حب الرضاع وان تفطمه ينفطم   
فمتى اهملتها فقد تمرنت واعتادت الكسل والبطالة والبخل وامساك المال عن صرفه الى وجوه الطاعات ومقتضيات الايمان وحيث كلفتها وحملتها على مشاق العبادات البدنية والمالية تنقاد لك وتتزكى عن عاداتها الجبلية. فمن تبعيضية كما فى قولهم " هز من عطفه وحرك من نشاطه " فان قلت كيف يكون المال بعضا من النفس حتى تكون الطاعة ببذله طاعة لبعض النفس وتثبيتا لها على الثمرة الايمانية قلت ان النفس لشدة تعلقها بالمال كأنه بعض منها فالمال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ومن بذل ماله وروحه فقد ثبتها كلها وفى المثنوى
آن درم دادن سخى را لايق است جان سبردن خود سخاى عاشق است نان دهى از بهر حق نانت دهند جان دهى ازبهر حق جانت دهند آن فتوت بخش هر بى علت است باكبازى خارج ازهر ملت است در شريعت مال هركس مال اوست در طريقت ملك ما مملوك دوست   
ويجوز ان يكون التثبيت بمعنى جعل الشىء صادقا محققا ثابتا والمعنى تصديقا للاسلام ناشئا من اصل انفسهم وتحقيقا للجزاء فان الانفاق امارة ان الاسلام ناشىء من اصل النفس وصميم القلب. فمن لابتداء الغاية كما فى قوله تعالىحسدا من عند أنفسهم } البقرة 109. ولعل تحقيق الجزاء عبارة عن الايقان بان العمل الصالح مما يثيب الله ويجازى عليه احسن الجزاء. { كمثل جنة } بستان كائن { بربوة } مكان مرتفع مأمون من ان يصطلمه البرد اى يفسده للطافة هوائه بهبوب الرياح الملطفة له فان اشجار الربا تكون احسن منظرا وازكى ثمرا واما الاراضى المنخفضة فقلما تسلم ثمارها من البرد لكثافة هوائها بركود الرياح. وقال بعضهم ان البستان اذا وقع فى موضع مرتفع من الارض لا تنفعه الانهار وتضر به الرياح كثيرا فلا يحسن ريعه الا اذا كان على الارض المستوية التى لا تكون ربوة ولا وهدة فالمراد من الربوة حينئذ كون الارض لينة جيدة بحيث اذا نزل المطر عليها انتفخت وربت ونمت فان الارض اذا كانت بهذه الصفة يكثر ريعها وتكمل اشجارها ويؤيد هذا التأويل قوله تعالىوترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت } الحج 5. فان المراد من ربوها ما ذكر { اصابها وابل } اى وصل اليها مطر كبير القطر شديد الوقع { فآتت } اى اعطت صاحبها او اهلها { اكلها } ثمرتها وغلتها وهو بضمتين الشىء المأكول.

السابقالتالي
2 3