الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ وإذ قال إبراهيم } اى اذكر وقت قوله وذكر الوقت يوجب ذكر ما وقع فى ذلك الوقت من الحوادث بالطريق البرهانى { رب } كلمة استعطاف قدمت بين الدعاء مبالغة فى استدعاء الاجابة { أرنى كيف تحيى الموتى } اى بصرنى كيفية احيائك للموتى بان تحييها وانا انظر اليها انما سأل ذلك ليصير علمه عيانا وقد شرفه الله بعين اليقين بل بحق اليقين الذى هو اعلى المقامات. والفرق ان علم اليقين هو المستفاد من الاخبار. وعين اليقين هو المعاينة لامرية فيه قال تعالى فى حق الكفارثم لترونها عين اليقين } التكاثر 7. فلما دخلوا النار وباشروا عذابها قال تعالىفنزل من حميم وتصلية حجيم إن هذا لهو حق اليقين } الواقعة 93-95. { قال } ربه { أولم تؤمن } اى ألم تعلم يقينا ولم تؤمن بانى قادر على الاحياء باعادة التركيب والحياة قاله عز وعلا مع علمه بانه اعرف الناس بالايمان يظهر ايمانه لكل سامع بقوله بلى فيعلم السامعون غرضه من هذا القول وهو الوصول الى العيان { قال } ابراهيم { بلى } علمت وآمنت بذلك { ولكن } سألت ما سألت { ليطمئن قلبى } اى ليسكن ويحصل طمأنينته بالمعاينة فان عين اليقين يوجب الطمأنينة لا علمه. فان قلت ما معنى قول على رضى الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا. قلت ما ازددت يقينا بالايمان بها وكان اذ رأى الآخرة ابصر بها من الفضائل والهيآت ما لم يحط به قبل ذلك وكذلك ابراهيم لما رأى كيفية الاحياء وقف على ما لم يقف عليه قبل { قال } ربه ان اردت ذلك { فخذ اربعة من الطير } طاووسا وديكا وغرابا وحمامة ومنهم من ذكر النسر بدل الحمام وانما خص الطير لانه اقرب الى الانسان واجمع لخواص الحيوان { فصرهن } من صاره يصوره وبكسر الصاد من صاره يصيره والمعنى واحد اى املهن واضممهن واجمعهن { اليك } لتتأملها وتعرف اشكالها مفصلة حتى تعلم بعد الاحياء ان جزأ من اجزائها لم ينتقل من موضعه الاول اصلا ـ روى ـ انه امر بان يذبحها وينتف ريشها ويقطعها ويفرق اجزاءها ولحومها ويمسك رؤسها ثم امر بان يجعل اجزاءها على الجبال وذلك قوله تعالى { ثم اجعل على كل جبل } من الجبال التى بحضرتك وكانت سبعة او اربعة فجزأها اربعة اجزاء فقال تعالى ضع على كل جبل { منهن } اى من كل الطيور { جزأ ثم ادعهن } قل لهن تعالين باذن الله تعالى { يأتينك سعيا } اى ساعيات مسرعات طيرانا او مشيا ففعل كما امره فجعل كل جزء يطير الى آخر حتى صارت جثثا ثم اقبلن فانضمت كل جثة الى رأسها فعادت كل واحدة الى ما كانت عليه من الهيئة وجعل ابراهيم ينظر ويتعجب { واعلم أن الله عزيز } غالب على امره لا يعجزه شىء عما يريده { حكيم } ذو حكمة بالغة فى افاعيله فليس بناء افعاله على الاسباب العادية لعجزه عن ايجادها بطريق آخر خارق للعادات بل لكونه متضمنا للحكم والمصالح.

السابقالتالي
2 3