الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ أو كالذى مر على قرية } عطف على قوله ألم تر وتقديره اورأيت مثل الذى فعل كذا اى ما رأيت مثله فتعجب منه وتخصيصه بحرف التشبيه لان المنكر للاحياء كثير والجاهل بكيفيته اكثر من ان يحصى بخلاف مدعى الربوبية. والمار هو عزير بن شرخيا والقرية بيت المقدس على الاشهر الاظهر واشتقاقها من القرى وهو الجمع ـ روى ـ ان بنى اسرائيل لما بالغوا فى تعاطى الشر والفساد سلط الله عليهم بخت نصر البابلى فسار اليهم فى ستمائة الف راية حتى وطئ الشام وخرب بيت المقدس وجعل بنى اسرائيل اثلاثا ثلثا منهم قتلهم وثلثا منهم اقرهم بالشام وثلثا منهم سباهم وكانوا مائة الف غلام يافع وغير يافع فقسمهم بين الملوك الذين كانوا معه فاصاب كل ملك منهم اربعة غلمة وكان عزير من جملتهم فلما نجاه الله منهم بعد حين مر بحماره على بيت المقدس فرآه على افظع مرأى واوحش منظر وذلك قوله { وهى خاوية على عروشها } اى خالية عن اهلها وساقطة على سقوفها بان سقطت العروش ثم الحيطان سقطت عليها من خوت المرأة وخويت خوى اى خلا جوفها عند الولادة وخوت الدار خواء بالمد وخوى البيت خوى بالقصر اى سقط والعرش سقف البيت ويستعمل فى كل ما هيئ ليستظل به { قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها } اى يعمر الله تعالى هذه القرية بعد خرابها على هذا الوجه اذ ليس المراد بالقرية اهلها بل نفسها بدليل قوله { وهى خاوية على عروشها } لم يقله على سبيل الشك فى القدرة بل على سبيل الاستبعاد بحسب العادة { فأماته الله } اى جعله ميتا { مائة عام } ـ روى ـ انه لما دخل القرية نزل تحت ظل شجرة وهو على حمار فربط حماره وطاف فى القرية ولم ير بها احدا فقال ما قال وكانت اشجارها قد اثمرت فتناول من فواكهها التين والعنب وشرب من عصير العنب ونام فاماته الله فى منامه وهو شاب وكان معه شىء من التين والعنب والعصير وكانت هذه الاماتة عبرة لا انقضاء مدة كاماتة الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف وامات حماره ايضا ثم اعمى الله عن جسده وجسد حماره ابصار الانس والسباع والطير فلما مضى من موته سبعون سنة وجه الله ملكا عظيما من ملوك فارس يقال له يوشك الى بيت المقدس ليعمره ومعه الف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثمائة الف عامل فجعلوا يعمرون واهلك الله بخت نصر ببعوضة دخلت دماغه ونجى الله من بقى من بنى اسرائيل وردهم الى بيت المقدس وتراجع اليه من تفرق منهم فى الاكناف فعمروه ثلاثين سنة وكثروا وكانوا كاحسن ما كانوا فلما تمت المائة من موت العزير احياه الله تعالى وذلك قوله تعالى { ثم بعثه } من بعثت الناقة اذا اقمتها من مكانها ويوم القيامة يسمى يوم البعث لانهم يبعثون من قبورهم وانما قا ثم بعثه ولم يقل ثم احياه لانه قوله ثم بعثه يدل على انه عاد كما كان اولا حيا عاقلا فاهما مستعدا للنظر والاستدلال فى المعارف الآلهية ولو قال ثم احياه لم تحصل هذه الفوائد { قال } كأنه قيل فماذا قال بعد بعثه فقيل قال الله تعالى او ملك مأمور من قبله تعالى { كم } يوما او وقتا { لبثت } يا عزير ليظهر له عجزه عن الاحاطة بشئونه تعالى وان احياءه ليس بعد مدة يسيرة ربما يتوهم انه هين فى الجملة بل مدة طويلة وتنحسم به مادة استبعاده بالمرة ويطلع فى تضاعيفه على امر آخر من بدائع آثار قدرته تعالى وهو ابقاء الغذاء المتسارع الى الفساد بالطبع على ما كان عليه دهرا طويلا من غير تغير ما { قال لبثت يوما او بعض يوم } كقول الظان قاله بناء على التقريب والتخمين او استقصار المدة لبثه { قال } ما لبثت ذلك المقدار { بل لبثت مائة عام } يعنى كنت ميتا هذه المدة { فانظر } لتعاين امرا آخر من دلائل قدرتنا { إلى طعامك وشرابك لم يتسنه } اى لم يتغير فى هذه المدة المتطاولة مع تداعيه الى الفساد ـ روى ـ انه وجد تينه وعنبه كما جنى وعصيره كما عصر والجملة المنفية حال بغير واو من الطعام والشراب لان المضارع المنفى اذا وقع حالا يجوز ان يكون بالواو وبدونها وافراد الضمير مع ان الظاهر ان يقال لم يتسنها او لم يتسنيا لان المذكور قبله شيآن الطعام والشراب لجريانهما مجرى الواحد كالغذاء.

السابقالتالي
2 3 4