الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }

{ فلما فصل طالوت بالجنود } الاصل فصل نفسه ولما اتحد فاعله ومفعوله شاع استعماله محذوف المفعول حتى نزل منزلة اللازم كانفصل والمعنى انفصل عن بلده مصاحبا لهم لقتال العمالقة. والجنود جمع جند وهو الجيش الاشداء مأخوذ من الجند وهى الارض الشديدة وكل صنف من الخلق جند على حدة ـ روى ـ انهم لما رأوا التابوت لم يشكوا فى النصر فتسارعوا الى الجهاد فقال طالوت لا يخرج معى شيخ ولا مريض ولا رجل بنى بناء لم يفرغ منه ولا صاحب تجارة مشتغل بها ولا رجل عليه دين ولا رجل تزوج امرأة ولم يبن بها ولا ابتغى الا الشاب النشيط الفارغ فاجتمع اليه ممن اختاره ثمانون الفا وكان الوقت قيظا اى شديد الحر وسلكوا مفازة فشكوا قلة الماء وسألوا ان يجرى الله لهم نهرا { قال } اى طالوت باخبار من النبى اشمويل { إن الله مبتليكم بنهر } اى معاملكم معاملة المختبر بما اقترحتموه وذلك الاختبار ليظهره عند طالوت من كان مخلصا فى نيته من غيره ليميزهم من العسكر لان من لا يريد القتال اذا خالط عسكرا يدخل الضعف فى العسكر فينهزمون بشؤمه
آنكه جنك آرد بخون خويش بازى ميكند روز ميدان آنكه بكريزد بخون لشكرى   
فميز بينهما كالذهب والفضة فيهما الخبث فميز الخالص من غيره بالنار { فمن شرب منه } اى ابتدأ شربه من ماء النهر بان كرع وهو تناول الماء بفيه من موضعه من غير ان يشرب بكفيه ولا بآناء { فليس منى } اى من جملتى واشياعى المؤمنين فمن للتبعيض دخلت على نفس المتكلم للاشعار بان اصحابه لقوة اختصاصهم واتصالهم به كأنهم بعضه او ليس بمتحد معى فمن اتصالية كما فى قوله تعالىالمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض } التوبة 67 اى بعضهم متصل بالبعض الآخر ومتحد معه { ومن لم يطعمه } الطعم هنا بمعنى الذوق وهو التناول من الشىء تناولا قليلا يقال طعم الشىء اذا ذاقه مأكولا او مشروبا { فإنه منى } اى من اهل دينى { إلا من اغترف غرفة بيده } استثناء من قوله فمن شرب واعتراض الجملة الثانية وهو ومن لم يطعمه للعناية بها لان عدم الذوق منه رأسا عزيمة والاغتراف رخصة وبيان حال الاخذ بالعزيمة اهم من بيان الاخذ بالرخصة. والغرفة بالضم اسم للقدر الحاصل فى الكف بالاغتراف والغرف اخذ ماء بآلة كالكف وهو فى الاصل القطع والغرفة التى هى العلية قطعة من البناء والباء متعلقة باغترف. قال ابن عباس رضى الله عنهما كانت الغرفة الواحدة يشرب منها هو ودوابه وخدمه ويحمل منها. قال الامام وهذا يحتمل وجهين. احدهما انه كان مأذونا له ان يأخذ من الماء ما شاء مرة واحدة بقربة او جرة بحيث كان المأخوذ فى المرة الواحدة يكيفه ودوابه وخدمه ويحمل باقيه.

السابقالتالي
2 3