الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }

{ ألم تر } اى ألم ينته علمك { إلى } قصة { الملأ } اى قد علمت خبرهم باعلامى اياك فتعجب. الملأ جماعة يجتمعون للتشاور سموا بذلك لانهم اشراف يملأون العيون مهابة والمجالسة بهاءة لا واحد له من لفظه كالقوم { من بنى إسرائيل } من للتبعيض حال من الملأ اى كائنين بعض بنى اسرائيل وهم اولاد يعقوب { من } ابتدائية متعلقة بما تعلق به الجار الاول { بعد } وفاة { موسى اذ قالوا } منصوب بالمضاف المقدر فى الملأ اى ألم تر الى قصة الملأ او حديثهم حين قالوا لان الذوات لا يتعجب منها وانما يتعجب من احوالها { لنبى لهم } اشمويل وهو الاشهر الاظهر { ابعث لنا ملكا } اى اقم وانصب لنا سلطانا يتقدمنا ويحكم علينا فى تدبير الحرب ونطيع لامره { نقاتل } معه وهو بالجزم على الجواب { فى سبيل الله } طلبوا من نبيهم ما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من التأمير على الجيوش التى كان يجهزها ومن امرهم بطاعته وامتثال اوامره ـ وروى ـ انه امر الناس اذا سافروا ان يجعلوا احدهم اميرا عليهم { قال } كأنه قيل فماذا قال لهم النبى حينئذ فقيل قال { هل عسيتم } قاربتم { إن كتب عليكم القتال } مع الملك شرط معترض بين عسى وخبره وهو قوله { ان لا تقاتلوا } معه. قال فى الكشاف والمعنى هل قاربتم ان لا تقاتلوا يعنى هل الامر كما اتوقعه انكم لا تقاتلون اراد ان يقول عسيتم ان لا تقاتلوا بمعنى أتوقع جبنكم عن القتال فادخل هل مستفهما عما هو متوقع عنده وانه صائب فى توقعه كقوله تعالىهل أتى على الإنسان } الانسان 1. معناه التقرير { قالوا وما } مبتدأ وهو استفهام انكارى خبره قوله { لنا } فى { ألاّ نقاتل فى سبيل الله } اى أى سبب وغرض لنا فى ترك القتال { وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } اى والحال انه قد عرض لنا ما يوجب القتال ايجابا قويا من الاخراج من الديار والاوطان والاغتراب عن الاهل والاولاد وافراد الابناء بالذكر لمزيد تقوية اسباب القتال قال بعضهم وقد اخرجنا من ديارنا وابنائنا جلاء واسرار ومثله يذكر اتباعا نحو وزججن الحواجب والعيونا وكان سبب مسألتهم نبيهم ذلك انه لما مات موسى عليه السلام خلف بعده فى بنى اسرائيل يوشع يقيم فيهم التوراة وامر الله حتى قبضه الله ثم خلف فيهم كالب كذلك حتى قبضه الله ثم عظمت الاحداث فى بنى اسرائيل ونسوا عهد الله حتى عبدوا الاوثان فبعث الله اليهم ألياس نبيا فدعاهم الى الله وكانت الانبياء من بنى اسرائيل بعد موسى يبعثون اليهم بتجديد ما نسوا من التوراة ثم خلف بعد ألياس أليسع وكان فيهم ما شاء الله حتى قبضه الله وخلف فيهم الخلوف وعظمت الخطايا وظهر لهم عدو يقال له البلنانا وهم قوم جالوت كانوا يسكنون ساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين وهم العمالقة اولاد عمليق بن عاد فظهروا على بنى اسرائيل وغلبوا على كثير من ارضهم وسبوا كثيرا من ذراريهم واسروا من ابناء ملوكهم اربعمائة واربعين غلاما وضربوا عليهم الجزية واخذوا توراتهم ولقى بنوا اسرائيل منهم بلاء شديدا ولم يكن لهم نبى يدبر أمرهم وكان سبط النبوة قد هلكوا فلم يبق منهم الا امرأة حبلى فحبسوها فى بيت رهبة ان تلد جارية فتبدلها بغلام لما ترى من رغبة بنى اسرائيل فى ولدها وجعلت المرأة تدعو الله ان يزرقها غلاما فولدت غلاما فسمته اشمويل تقول سمع الله دعائى وهو بالعبرانية اسماعيل والسين تصير شينا فى لغة عبران فكبر الغلام فاسلموه لتعلم التوراة فى بيت المقدس وكفله شيخ من علمائهم وتبناه فلما بلغ الغلام اتاه جبريل عليه السلام وهو نائم الى جنب الشيخ وكان لا يأتمن عليه احدا فدعاه بلحن الشيخ يا اشمويل فقال الغلام مسرعا الى الشيخ فقال يا ابتاه دعوتنى فكره الشيخ ان يقول لا لئلا يتفزع الغلام فقال يا بنى ارجع فنم فرجع الغلام فنام ثم دعاه الثانية فقال الغلام دعوتنى فقال ارجع فنم فان دعوتك الثالثة فلا تجبنى فلما كانت الثالثة ظهر له جبريل فقال له اذهب الى قومك فبلغهم رسالة ربك فان الله قد بعثك فيهم نبيا فلما اتاهم كذبوه وقالوا له استعجلت بالنبوة ولم تأن لك وقالوا ان كنت صادقا فابعث لنا ملكا نقاتل فى سبيل الله آية نبوتك وانما كان قوام امر بنى اسرائيل بالاجتماع على الملوك وطاعة الملوك لانبيائهم فكان الملك هو الذى يشير بالجموع والنبى يقيم امره ويشير عليه برشده ويأتيه بالخبر من عند ربه { فلما كتب عليهم القتال } بعد سؤال النبى ذلك وبعث الملك { تولوا } اى اعرضوا وتخلفوا عن الجهاد وضيعوا امر الله ولكن لا فى ابتداء الامر بل بعد مشاهدة كثرة العدو وشوكته وانما ذكر الله ههنا مآل امرهم اجمالا اظهارا لما بين قولهم وفعلهم من التنافى والتباين { الا قليلا منهم } وهم الذين عبروا النهر مع طالوت واقتصروا على الغرفة وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر بعدد اهل بدر { والله عليم بالظالمين } وعيد لهم على ظلمهم بالتولى عن القتال وترك الجهاد وتنافى اقوالهم وافعالهم والاشارة ان القوم لما اظهروا خلاف ما اضمروا وزعموا غير ما كتموا عرض نقد دعواهم على محك معناهم فما افلحوا عند الامتحان اذ عجزوا عن البرهان وعند الامتحان يكرم الرجل او يهان قال الحافظ

السابقالتالي
2 3