الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

{ والوالدات } اى جميع الوالدات مطلقات كن او مزوجات لان اللفظ عام وما قام دليل التخصيص فوجب تركه على عمومه { يرضعن } خبر فى معنى الامر اى ليرضعن والرضع مص الثدى للبن { أولادهن } جمع ولد وهو المولود ذكرا كان او انثى ومعنى الامر الندب ووجه الندب ان تربية الطفل بلبن الام اصلح له من سائر الالبان وان شفقة الام اتم من شفقة غيرها ثم ان حكم الندب انما هو على تقدير ان لا يضطر الولد الى لبن امه اما اذا بلغ حالة الاضطرار بان لا يوجد غير الام او لا يرضع الطفل الا منها او عجز الوالد عن الاستئجار فحينئذ يجب عليها الارضاع عند ذلك كما يجب على كل احد مواساة المضطر فى الطعام. واعلم ان حق الارضاع لهن الى ان يتزوجن بغير آباء الاولاد ان كانت مطلقات لانهن يشتغلن بخدمة الازواج فلا يتفرغن لحضانتهم على الوجه الاليق ولان الربيب يتضرر بالراب فانه ينظر اليه شزرا وينفق عليه نزرا { حولين } سنتين اصله من حال الشىء يحول اذا انقلب والحول منقلب من الوقت الاول الى الثانى { كاملين } تامين اكده بصفة الكمال لانه مما يتسامح فيه فيقال اقمت عند فلان حولين بمكان كذا وانما اقام فيه حولا وبعض الحول { لمن أراد أن يتم الرضاعة } بيان للذى توجه اليه حكم الارضاع كأنه قيل هذا الحكم لمن فقيل لمن اراد ان يتم الرضاعة ومن يحتمل ان يراد بها الوالدات فقط او هن والآباء معا. واعلم ان مدة الرضاع عند ابى حنيفة حولان ونصف وعندهما حولان فقط استدلالا بهذه الآية ولا يباح ارضاع بعد هذا الوقت المخصوص على الخلاف لان اباحته ضرورية لانه جزء الآدمى فيتقدر بقدر الضرورة وقال ابو حنيفة هذه الآية محمولة على مدة استحقاق الاجرة فان الاجماع على ان مدت الرضاع فى استحقاق اجر الرضاع على الاب مقدرة بحولين حتى ان الاب لا يجبر على اعطاء اجرة بعد الحولين قال تعالى { فإن أرادا فصالا عن تراض } الآية ولو حرم الرضاع بعد الحولين لم يكن لقوله { عن تراض منهما وتشاور } فائدة فالرضاع الذى ثبت به الحرمة هو ما يكون فى ثلاثين شهرا عنده ولا يحرم ما يكون بعدها وعندهما هو ما يكون فى الحولين ولا يحرم ما يكون بعد الحولين وهو مذهب الشافعى ايضا ثم ان اتمام الحولين غير مشروط عند ابى حنيفة للآية اى لان فى قوله تعالى { لمن أراد أن يتم الرضاعة } دلالة على جواز النقص ولو ارادت التكميل لها مطالبة النققة واذا نقصت من غير اضرار لا تجبر على الكمال يعنى اذا فطم قبل مضى العدة واستغنى بالطعام لم تكن رضاعا وان لم يستغن يثبت به الحرمة وهو رواية عن ابى حنيفة وعليه الفتوى ذكره الزيلعى ثم انه تعالى كما وصى الام برعاية جانب الطفل فى قوله والولدات الخ وصى الاب برعاية جانب الام حتى تتقوى على رعاية مصلحة الطفل فامره بان يرزقها ويكسوها بالمعروف سواء كان ذلك المعروف محدودا بشرط وعقد ام لا وقد يكون غير محدود الا من جهة العرف لانه اذا قام بما يكفيها من طعامها وكسوتها فقد استغنى عن تقدير الاجرة فقال { وعلى المولود له } اى وعلى الذى يولد له وهو الوالد وانما لم يقل على الوالد ليعلم ان الاولاد للآباء لان الزوجة انما تلد الولد للزوج ولذلك ينسبون اليهم لا الى الامهات ـ روى ـ ان المأمون بن الرشيد لما طلب الخلافة عابه حشام ابن على فقال بلغنى انك تريد الخلافة وكيف تصلح لها وانت ابن امة فقال كان اسماعيل عليه السلام ابن امة.

السابقالتالي
2 3 4