الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }

{ يا ايها الناس } الآية مسوقة لاثبات التوحيد وتحقيق نبوة محمد عليه الصلاة والسلام اللذين هما اصل الايمان. والناس يصلح اسماء للمؤمنين والكافرين والمنافقين. والنداء تنبيه الغافلين او احضار الغائبين وتحريك الساكنين وتعريف الجاهلين وتفريغ المشغولين وتوجيه المعرضين وتهييج المحبين وتشويف المريدين. قال بعض العارفين اقبل عليهم بالخطاب جبرا فما فى العبادة من الكلفة بلذة الخطاب اى يا مؤنس لا تنس انسك بى قبل الولادة او يا ابن النسيان تنبيه ولا تنس حيث كنت نسياً منسيا ولم تك شيأ مذكورا فخلقتك وخمرتك طينا ثم نطفة ثم دما ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحوما وعروقا وجلودا واعصابا ثم جنينا ثم طفلا ثم صبيا ثم شابا ثم كهلا ثم شيخا وانت فيما بين ذلك تتمرغ فى نعمتى وتسعى فى خدمة غيرى تعبد النفس والهوى وتبيع الدين بالدنيا لا تنس من خلقك وجعلك من لا شئ شيأ مذكورا كريما مشكورا علمك وقواك واكرمك واعطاك ما اعطاك فهذا خطاب للنفس والبدن. قال فى التيسير واذا كان الانسان من النسيان ففيه عتاب وتلقين اما العتاب فكانه يقول ايها الناس قابلتم نعمنا بالكفران واوامرنا بالعصيان واما التلقين للعذر فكانه يقول ايها المخالف لنا ناسيا لا عامدا وساهيا لا قاصدا عذرناك لنسيانك وعفونا عنك لايمانك { اعبدوا ربكم } يقول للكفار وحدوا ربكم ويقول للعاصيين اطيعوا ربكم ويقول للمنافقين اخلصوا بالتوحيد معرفة ربكم ويقول للمطيعين اثبتوا على طاعة ربكم واللفظ يحتمل لهذا الوجوه كلها وهو من جوامع الكلم كما فى تفسير ابى الليث. والعبادة استفراغ الطاقة فى استكمال الطاعة واستشعار الخشية فى استبعاد المعصية { الذى خلقكم } صفة جرت عنه للتعظيم والتعليل معناه أطيعوا ربكم الذى خلقكم لخلقكم ولم تكونوا شيأ. والخلق اختراع الشئ على غير مثال سبق { و } خلق { الذين من قبلكم } اى من زمن قبل زمانكم من الامم فمن ابتدائية متعلقة بمحذوف وفى الوصف به ايماء الى سبب وجوب عبادته تعالى فان خلق اصولهم من موجبات العبادة كخلق انفسهم وفيه دلالة على شمول القدرة وتنبيه من سنة الغفلة اى انهم كانوا فمضوا وجاءوا وانقضوا فلا تنسوا مصيركم ولا تستجيزوا تقصيركم { لعلكم تتقون } حال من ضمير اعبدوا اى راجين ان تدخلوا فى سلك المتقين الفائزين بالهدى والفلاح المستوجبين لجوار الله تعالى. ولعل للترجى والاطماع وهى من الله تعالى واجب لان الكريم لا يطمع الا فيما يفعل والاولون والآخرون مخاطبون بالامر بالتقوى وخص المخاطبين بالذكر تغليبا لهم على الغائبين كما فى الكواشى. وفيه تنبيه على ان التقوى منتهى درجة الساكلين وهو التبرى من كل شئ سوى الله تعالى وان العابد ينبغى ان لا يغتر بعبادته ويكون ذا خوف ورجاء كما قال تعالىيدعون ربهم خوفا وطمعا } السجدة 16ويرجون رحمته } الإسراء 57. قال السعدى قدس سره
اكر مردى از مردئ خود مكوى نه هر شهسوارى بدر برد كوى   
يعنى ليس كل عابد يخلص ايمانه بسبب عبادته.