الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

{ وإذا سألك عبادى عنى } وجه اتصال هذه الآية بما قبلها ان الله تعالى لما امرهم بصوم الشهر ومراعاة العدة وحثهم على القيام بوظائف التكبير والشكر عقبه بهذه الآية الدالة على انه تعالى خبير باحوالهم مطلع على ذكرهم وشكرهم سميع باقوالهم مجيب لدعائهم مجازيهم على اعمالهم تأكيدا له وحثا عليه. وسبب النزول ما روى ان اعرابيا قال لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه ام بعيد فنناديه فقال تعالى ايماء الى سرعة اجابة الدعاء منهم اذا سألك عبادى عنى { فانى قريب } اى فقل لهم انى قريب بالعلم والاحاطة فهو تمثيل لكمال علمه بافعال العباد واقوالهم واطلاعه على احوالهم بحال من قرب مكانه منهم فيكون لفظ قريب استعارة تبعية تمثيلية وانما لم يحمل على القرب الحقيقى وهو القرب المكانى لانه ممتنع فى حقه تعالى لانه لو كان فى مكان لما كان قريبا من الكل فان من كان قريبا من حملة العرش يكون بعيدا من اهل الارض ومن كان قريبا من اهل المشرق يكون بعيدا من اهل المغرب وبالعكس. قال ابو موسى الاشعرى لمّا توجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الى خيبر اشرف الناس على واد فرفعوا اصواتهم بالتكبير لا اله الا الله والله اكبر فقال صلى الله عليه وسلم " اربعوا على انفسكم انكم لا تدعون اصم ولا غائبا انكم تدعون سميعا قريبا وهو معكمBR> ". وهذا باعتبار المشارب والمقامات واللائق بحال اهل الغفلات الجهر لقلع الخواطر كما ان المناسب لاهل الحضور الخفاء قال السعدى
دوست نزديكتر ازمن بمنست وين عجبتركه من ازوى دورم   
{ أجيب دعوة الداع اذا دعان } تقرير للقرب المجازى المراد فى هذا المقام وهو الحالة الشبيهة بالقرب المكانى وقد تقرر ان اثبات ما يلائم المستعار منه للمستعار له يرشح الاستعارة ويقررها وايضا وعد للداعى بالاجابة. فان قلت انا نرى الداعى يبالغ فى الدعوات والتضرع فلا يجاب. قلت ان هذه الآية مطلقة والمطلق محمول على المقيد وهو قوله تعالىبل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } الأنعام 41. فالمعنى اجيب دعوة الداع اذا دعانى ان شئت او اذا وافق القضاء او اذا لم يسأل محالا او كانت الاجابة خيرا له والاجابة اعطاء ما سئل والله تعالى يقابل مسألة السائل بالاسعاف ودعاء الداعى بالاجابة وضرورة المضطرين بالكفاية { فليستجيبوا لى } اى فليجيبوا اذا دعوتهم للايمان والطاعة كما اجيبهم اذا دعونى لمهماتهم واستجابه واستجاب له واجابه واحد قطع مسألته بتبليغة مراده واصله من الجوب والقطع { وليؤمنوا بى } امر بالثبات على ما هم عليه. قال ابن الشيخ الاستجابة عبارة عن الانقياد والاستسلام والايمان عبارة عن صفة القلب وتقديمها على الايمان يدل على ان العبد لا يصل الى نور الايمان وقوته الا بتقديم الطاعات والعبادات.

السابقالتالي
2 3 4